الجمعة، 18 مايو 2012

الأحاديث في أهميته والحث على استغلال الوقت


النصوص في أهمية العمر وقيمته كثيرة جدًا، وقد أقسم الله عز وجل به في مواضع كثيرة فقال: ]وَالْعَصْرِ[، ]وَالضُّحَى[، ]وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى[.
والأحاديث في أهميته والحث على استغلاله كثيرة؛ فمن ذلك:
      1-   عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» رواه البخاري([1]) وغيره.
    2-  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخر عمره حتى بلّغه ستين سنة» رواه البخاري([2]).
         3-     وعنه قال: قال رسول الله r: «من عمّره الله تعالى ستين سنة، فقد أعذر إليه في العمر» رواه الإمام أحمد([3]).
    4-  عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره: فيم أفناه؟ وعن علمه: فيم فعل؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه: فيم أبلاه؟» رواه الترمذي وصححه([4]).
وفي رواية: «عن شبابه: فيم أبلاه؟»، وعلى هذه الرواية نلاحظ أن 50 % من الأسئلة عن الوقت وعمر الإنسان مما يدل على أهميته.
    5-  وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «اغتنم خمسًا؛ قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» رواه الحاكم في المستدرك وصححه وافقه الذهبي([5]).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا الآخرة».
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما».
وقال الشافعي رحمه الله: «صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين؛ أحدهما: قولهم: الوقت سيف، فإن لم تقطعه قطعك ـ وذكر الكلمة الأخرى وهي: نفسك إن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل».
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: «يا بن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك».
وقال: «أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم».
وقال الشاعر:
ما مضى فات والمؤمل غيب





ولك الساعة التي أنت فيها






وقال آخر:
دقات قلب المرء قائلة له





إن الحياة دقائق وثوان






وقال آخر:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه





وأراه أسهل ما عليك يضيع






وقال آخر:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز





عليه من الإنفاق في غير واجب([6])






ولذلك نماذج:
         1-     قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي».
    2-  كان الخليل بن أحمد الفراهيدي يقول: «أثقل الساعات عليّ: ساعة آكل فيها». ويلاحظ أنه عد وقت الأكل ضياعًا للوقت مع أنه ضرورة ولابد منه.
         3-     وقال الفخر الرازي: «والله إنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل، فإن الوقت والزمان عزيز».
    4-  وكان عثمان الباقلاوي دائم الذكر لله تعالى فقال: «إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج، لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر».
ولذلك نماذج كثيرة منها:
    1-  مرض أبو يوسف القاضي فعاده أحد تلاميذه فوجده مغمي عليه، فلما أفاق قال أبو يوسف: «يا إبراهيم ما تقول في مسألة؟. قلت: في مثل هذه الحالة!! قال: ولا بأس بذلك، لعله ينجو به ناج، قال تلميذه إبراهيم بعد أن تباحثا في المسألة: فخرجت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه وإذا هو قد مات رحمه الله».
    2-  وكان الفتح بن خاقان يحمل الكتاب في كمه، فإذا قام من بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي، حتى يبلغ الموضع الذي يريده، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه، فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة، أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عودته.
    3-  قال الخطيب البغدادي في إسماعيل بن إسحاق القاضي: «ما دخلت عليه قط إلا ورأيته وفي يده كتاب ينظر فيه، أو ينفض الكتب».
         4-     وهذا أبو نعيم الأصفهاني يُقرأ عليه في الطريق، وهذا الخطيب البغدادي يقرأ في طريقه الجزء من الحديث.
    5-  قال ابن عقيل: «إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة».
    6-  قال الضياء المقدسي واصفًا الشيخ عبد الغني المقدسي: «وكان لا يضيع شيئا من زمانه؛ كان يصلي الفجر، ويلقن القرآن، وربما لقن الحديث، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبيل الظهر، فينام نومة فيصلي الظهر، ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب، فيفطر إن كان صائمًا، ويصلي العشاء ثم ينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم يتوضأ ويصلي إلى قريب الفجر... ثم ينام نومة يسيرة قبل الفجر، وهذا دأبه».
    7-  قال موسى التبوذكي: «لو قلت إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا لصدقت؛ كان مشغولا: إما أن يحدث، أو يقرأ أو يسبح، أو يصلي، وقد قسم النهار على ذلك، ومات رحمه الله وهو في الصلاة. وكان يقال: لو قيل لحماد إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا».
ولذلك نماذج منها:
    1-  كان لمحمد بن سحنون جارية يقال لها أم مدام، وكان عندها يومًا وقد شغل في تأليف كتاب إلى الليل، فحضر الطعام، فاستأذنته فقال لها: أنا مشغل الساعة، فلما طال عليها الانتظار، جعلت تلقمه الطعام حتى أكله كله، واستمر في تأليفه إلى أن أذن لصلاة الصبح، فقال شغلنا عنك أم مدام الليلة، هات ما عندك، فقالت: قد والله يا سيدي ألقمته لك، فقال: ما شعرت بذلك. والعجب منه كيف لم يشغله الجوع عن طلب العلم، وكيف أخذ العلم بمجامع قلبه.
         2-     كان ابن الخياط يدرس جميع أوقاته حتى في الطريق، وكان ربما سقط في جرف أو خبطته دابة.
    3-  حدث بعض الرواة الذين حضروا ابن جرير قبل موته بساعة أنه ذكر له دعاء جعفر بن محمد، فاستدعى محبرة وصحيفة وكتبه، فقيل له: أفي هذه الحال؟ فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلم حتى الممات.
    4-  حدث أن سليم الرازي حفي عليه القلم يومًا، فإلى أن قطه جعل يحرك شفتيه، فعلم أنه يقرأ بإزاء إصلاحه القلم، لئلا يمضي عليه زمان وهو فارغ.
    5-  وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قد أصابه مرض، فقال له الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقال ابن تيمية: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك؛ أليست النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة، فدفعت المرض، قال: بلى، فقال ابن تيمية: فإن نفسي تسر بالعلم، فتقوى الطبيعة، فأجد راحة، فقال الطبيب: هذا خارج عن علاجنا.
         6-     وقال بعض السلف لأصحابه: «إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدثتم».
كانوا رحمهم الله يحملون همّ الآخرة؛ ولذا تجدهم يقدمون أعمال الآخرة على أعمال الدنيا ولو كانت مهمة، ولذلك نماذج منها:
    1-  كان محمد بن الحسن الشيباني لا ينام الليل، وكان يضع عنده كتبًا فإذا مل من نوع نظر في آخر، وكان يزيل نومه ويقول: إن النوم من الحرارة. وعلى أهمية النوم وضرورته نلاحظ أنهم يحرصون على التقلل منه قدر الإمكان.
    2-  كان السلف رحمهم الله يشترون أوقاتهم بالمال، فهذا يحيى بن معين خلف له والده ألف ألف درهم فأنفقها كلها على تحصيل الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه، ولم يضع وقته بالتكسب والتكثر من المال والدنيا.
    3-   خرج ابن مالك يومًا مع أصحابه للفرجة بدمشق فلما بلغوا الموضع وجدوه منكبًا على أوراق، ولم يشتغل بالفرجة كما اشتغل أصحابه.
    4-   كان النووي لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء ويشرب شربة عند السحر، وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار، ويقول: أخاف أن يرطب جسمي ويجلب لي النوم.
    5-   كان محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري جالسًا في مجلس الإملاء والشيخ يحدث ويملي، فانكسر قلم محمد فأمر مناديًا ينادي: قلم بدينار، فتطايرت إليه الأقلام.
    6-   وكان ثعلب النحوي لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورة ـ وهي المتكأ من الجلد ـ يضع فيها كتابًا يقرأ.
         7-      وكان إمام الحرمين يقول: أنا لا أنام ولا آكل عادة، وإنما أنام أي وقت كان.
         8-      وكان ابن عقيل يختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرًا على مطالعة أو تسطيرًا لفائدة.
         9-      وكان داود الطائي يستف الفتيت ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية.
      10-   وكان الأصبهاني يمتنع عن الأكل كثيرًا لئلا يحتاج إلى الشرب، فيحتاج إلى دخول الخلاء، فيضيع عليه الزمان.
         1-     قال عبيد بن يعيش: أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث.
         2-     وكان ابن الجوزي يعد أعمالًا لزواره من قطع الكاغد، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر ونحوها توفيرًا لوقته.
         3-     وكان ابن تيمية الجد إذا دخل الخلاء أمر من يقرأ عليه ويقول: ارفع صوتك.
    4-  وكان ابن النفيس الطبيب إذا أراد التصنيف توضع له الأقلام مبرية، ويدير وجهه إلى الحائط، ويأخذ في التصنيف إملاءً من خاطره، ويكتب مثل السيل إذا انحدر، فإذا كل القلم وحفي، رمى به وتناول غيره لئلا يضيع عليه الزمان في بري القلم.
ولذلك نماذج منها:
    1-   كان الحاكم الشهيد يصوم الاثنين والخميس، وكان يقعد والكتب بين يديه ـ وهو وزير السلطان ـ فيأذن لمن لا يجد بدًّا من الإذن له ثم يشتغل بالتصنيف، فيقوم الداخل لما يرى من انشغاله عنه، ولقد شكاه بعضهم إلى الوالي فقال: ندخل عليه ولا يكلمنا، ويأخذ القلم بيده ويدعنا ناحية.
ودخل عليه أحد الأمراء يومًا فقام له قائمًا ولم يتحرك من مكانه ورده من باب الصفة، وقال: انصرف أيها الأمير، فليس هذا يومك.
         2-      وقال رجل لعامر بن عبد قيس: كلمني، فقال له عامر: أمسك الشمس.
         3-      ودخل بعضهم على رجل من السلف فقالوا: لعلنا شغلناك، فقال: أصدقكم؟! كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم.
         4-      كان جماعة عند معروف الكرخي، فأكلوا فقال: إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام.
ولذلك نماذج منها:
    1-  قال محمد بن الفضيل: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلي، فقلت: حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي ثم قال: أمله علي، فإني أخاف أن لا ألقاك، فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأته عليه.
         2-     وحفظ ابن مالك رحمه الله يوم موته ثمانية أبيات، ولم يشغله مرضه عن الحفظ واستثمار العمر.
    3-  ودخل ابن النفيس مرة إلى الحمام، فلما كان في بعض تغسيله خرج إلى مسلخ الحمام ـ وهو موضع نزع الثياب ـ واستدعى بدواة وقلم وورق، وأخذ في تصنيف مقالة في النبض إلى أن أنهاها. ثم عاد ودخل الحمام وكمل تغسيله، وذلك أنه خشي أن تعزب عن خاطره فلا تعود، ولذا لا نعجب إذا علمنا أنه هو مكتشف الدورة الدموية قبل سبعة قرون.
ولهذا نماذج:
    1-   كان أبو يوسف القاضي حريصًا على درس شيخه أبي حنيفة، وقد لازمه سنوات طويلة، ما فاتته صلاة الغداة معه ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض، وكان يقول: مات ابن لي، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي، مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عني.
    2-   وهذا الحافظ المنذري كان يدرس في دار الحديث الكاملية، وكان لا يخرج منها إلا لصلاة الجمعة، وحصل أن توفي ولده ـ وهو عالم محدث فاضل ـ فصلى عليه والده في المدرسة وشيعه إلى بابها ثم دمعت عيناه وقال: أودعتك يا ولدي الله تعالى، وفارقه ولم يخرج من المدرسة([7]).




([1]) فتح الباري: (11/229)، كتاب الرقاق.
([2]) فتح الباري: (11/238)، كتاب الرقاق.
([3]) مسند الإمام أحمد: (2/417).
([4]) سنن الترمذي: (4/612) حديث رقم (2417)، كتاب صفة القيامة.
([5]) المستدرك: (4/306)، وصححه السيوطي، ورواه الإمام أحمد بسند حسن كما قال الزين العراقي؛ انظر: فيض القدير (2/16).
([6]) انظر الأقوال السابقة: قيمة الزمن عند العلماء، عبد الفتاح أبو غدة.
([7]) انظر للاستزادة من النماذج: قيمة الزمن عند العلماء، عبد الفتاح أبو غدة، وكتاب سوانح وتأملات في قيمة الزمن، خلدون الأحدب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق