الأربعاء، 16 مايو 2012

قصص لنساء أسلمن وفارقن أزواجهن الكفار


السؤال :
أعرف أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج رجلاً غير مسلم وهناك أخت على قائمة التحول إلى الإسلام وأسلمت وتسأل ماذا تفعل بخصوص زوجها غير المسلم الذي قبل أن تكون مسلمة بدون مشاكل وسمح لها أن تعلم أبنائها بالطريقة الإسلامية وعندما سألتنا قلنا لها أنه يجب أن يشهد الزوج شهادة الإسلام أو أنها تنفصل عنه ولكن للأسف لا يؤمن بعض الناس بذلك أرجوا أن ترسل لي حالات واقعية من عصر الرسول عليه السلام فيها مسلمات تركن أزواجهن المشركين وأعتقد أن ذلك الوسيلة الوحيدة لإقناع أولئك بهذا الأمر وهو أنه لا يحل لمسلمة أن تبقى في عصمة رجل غير مسلم حتى لو لم يعارض إسلامها .
الجواب :

1. ما قيل في السؤال من تحريم نكاح المسلمة للكافر صحيح لا غبار عليه .
أ. قال الله تعالى { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } ( البقرة / 221 ) .
قال القرطبي :
قوله تعالى { ولا تنكحوا } أي : لا تُزوجوا المسلمة من المشرك ، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة أبدا لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام . " تفسير القرطبي " ( 3 / 72 ) .
ب. وقال تعالى { لا هنَّ حلٌّ لهم ولا هم يحلون لهن } ( الممتحنة / 10 ) .
قال البخاري رحمه الله :
باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي وقال عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن بن عباس إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه … وقال مجاهد إذا أسلم في العدة يتزوجها وقال الله تعالى { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما هما على نكاحهما وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت ، لا سبيل له عليها .. " صحيح البخاري " وانظر : " الفتح " ( 9 / 421 )
2. أما الأمثلة ، فمنها :
1. ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب ، وقد كانت متزوجة من أبي العاص بن الربيع في الجاهلية ، فلما أسلمت : فسخ النكاح بينهما ، ولحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم ، فلما أسلم ( زوجها ) : ردَّها النبي صلى الله عليه وسلم إليه .
رواه الترمذي ( 1143 ) وأبو داود ( 2240 ) وابن ماجه ( 2009 ) .
وصححه الإمام أحمد ( 1879 ) ، وقال الترمذي : ليس بإسناده بأس .
والصحيح : أنه يرجع إليها الزوج من غير حاجة إلى عقد جديد .
فإن كانت لا تزال في العدة فهو أحق بها ، وإن انتهت عدتها : فهي حرّةُ  نفسها في الرجوع إليه أو عدم الرجوع .
قال الترمذي :
والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق . " سنن الترمذي " ( حديث 1142 ) .
وقال ابن عبد البر :
لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها . " التمهيد " ( 12 / 23 ) .
وقال ابن القيم :
ولكن الذي دل عليه حكمه صلى الله عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته ، وإن انقضت عدتها : فلها أن تنكح من شاءت ، وإن أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح . " زاد المعاد " ( 5 / 137 ، 138 ) .
2. قال القرطبي :
وكانت عند طلحة بن عبيد الله : أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق الإسلام بينهما ثم تزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص وكانت ممن فر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار فحبسها وزوّجها خالداً . " تفسير القرطبي " ( 18 / 65 ، 66 ) .
3. عن أنس قال : تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت : إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما " .
رواه النسائي ( 3340 ) .
4. وكذا أسلمت ابنة الوليد بن المغيرة امرأة " صفوان بن أمية " قبله ، وفسخ نكاحه ، ثم أسلم بعدها ورجع إليها . رواه مالك في " الموطأ " ( 1132 ) .
قال ابن عبد البر :
هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم وكذلك الشعبي وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله.
" التمهيد " ( 12 / 19 ) .
5. و أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة " عكرمة بن أبي جهل " ، وفسخ نكاحها ، ثم أسلم في العدة ، فرجعت إلى زوجهما . رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 107 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
الأدلة على وجود الله ، والحكمة من خلقه للعباد   
سألني صديقي وهو على غير الإسلام أن أثبت له وجود الله ، ولماذا وهبنا الحياة ، وما هو المقصود من وراء ذلك . لكن إجابتي لم تقنعه ، فأرجو أن تخبرني بالأمور التي يجب علي إخباره بها
الحمد لله
أيها الأخ المسلم .. إنّ ما قمت به من الدعوة إلى الله ومحاولة إيضاح حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى وهو أمر يجلب السرور حقاً ، إن معرفة الله تتفق مع الفطر السليمة والعقول المستقيمة , وكم هم أولئك الذين إذا ظهرت لهم الحقيقة سرعان ما يسلم أحدهم , فلو أن كل واحد منا قام بواجبه تجاه دينه لحصل خير كثير , فهنيئاً لك أيها الأخ المسلم أن تقوم بمهمة الأنبياء والمرسلين ، وبشراك بما أنت موعود به من الأجر العظيم الذي جاء على لسان نبيك صلى الله عليه وسلم حيث يقول ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) رواه البخاري3/ 134 ومسلم 4/1872، و( حمر النعم) هي الإبل الحمراء وهي أحسن أنواع الإبل .
ثانياً :
وأما عن أدلة وجود الله فهي واضحة لمن تأملها ولا تحتاج لكثرة بحث وطول نظر ، وعند التأمل نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع : الأدلة الفطرية ، والأدلة الحسية ، والأدلة الشرعية ، وسوف تتضح لك بإذن الله  تعالى .
أولاً :
الأدلة الفطرية :
قال الشيخ ابن عثيمين :
دلالة الفطرة على وجود الله أقوى من كل دليل  لمن لم تجتله الشياطين ، ولهذا قال الله تعالى ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) الروم/30  ، بعد قوله : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً ) فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله  ولا يمكن أن يعدل عن هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين ، ومن اجتالته الشياطين فقد يمنع هذا الدليل . انتهى من شرح السفارينية
فإن كل إنسان يحسّ من تلقاء نفسه أنّ له رباً وخالقاً ويشعر بالحاجة إليه وإذا وقع في ورطة عظيمة اتجهت يداه وعيناه وقلبه إلى السماء يطلب الغوث من ربه .
 الأدلة الحسية :
وجود الحوادث الكونية ، وذلك أن العالم من حولنا لابد وأن تحصل فيه حوادث فمن أول تلك الحوادث  حادثة الخلق ، خلق الأشياء ، كل الأشياء من شجر وحجر وبشر وأرض وسماء وبحار وأنهار ......
فإن قيل هذه الحوادث وغيرها كثير من الذي أوجدها وقام عليها ؟
فالجواب إما أن تكون وجدت هكذا صدفة من غير سبب يدعو لذلك فيكون حينها لا أحد يعلم كيف وجدت هذه الأشياء هذا احتمال ، وهناك احتمال آخر وهو أن تكون هذه الأشياء أوجدت نفسها وقامت بشؤونها , وهناك احتمال ثالث و هو أن لها موجداً أوجدها وخالقاً خلقها ، وعند النظر في هذه الاحتمالات الثلاث نجد أنه يتعذر  ويستحيل الأول والثاني فإذا تعذر الأول والثاني لزم أن يكون الثالث هو الصحيح الواضح وهو أن لها خالقاً خلقها وهو الله ، وهذا ما جاء ذكره في القرآن الكريم قال الله تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ) الطور/35
ثم هذه المخلوقات العظيمة منذ متى وهي موجودة ؟ كل هذه السنين من الذي كتب لها البقاء في هذه الدنيا وأمدها بأسباب البقاء ؟
الجواب هو الله ، أعطى كل شيء ما يصلحه ويؤمن بقاءه ، ألا ترى ذلك النبات الأخضر الجميل إذا قطع الله عنه الماء هل يمكن أن يعيش ؟ كلا بل يكون حطاماً يابساً وكل شئ إذا تأملته وجدته متعلقاً بالله ، فلولا الله ما بقيت الأشياء .
ثم إصلاح الله لهذه الأشياء ، كل شيء لما يناسبه ؛ فالإبل مثلاً للركوب ، قال الله تعالى : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون (71 ) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) يس/72 انظر إلى الإبل كيف خلقها الله قوية مستوية الظهر لكي تكون مهيئة للركوب وتحمل المشاق الصعبة التي لا يتحمله من الحيوانات غيرها .
 وهكذا إذا قلبت طرفك في المخلوقات وجدتها متناسبة مع ما خلقت من أجله فسبحان الله تعالى  .
ومن أمثلة الأدلة الحسية :
النوازل التي تنزل لأسباب  دالة على وجود الخالق مثل دعاء الله ثم استجابة الله للدعاء دليل على وجود الله  قال  الشيخ ابن عثيمين : لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيث الخلق ، قال اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، ثم نشأ السحاب ، وأمطر قبل أن ينزل من المنبر ، هذا يدل على وجود الخالق . انتهى من شرح السفارينية   
الأدلة الشرعية :
وجود الشرائع , قال الشيخ ابن عثيمين  :
 جميع الشرائع دالة على وجود الخالق وعلى كمال علمه وحكمته ورحمته لأن هذه الشرائع لابد لها  من مشرع  والمشرع هو الله عز وجل . انتهى من شرح السفارينية 
وأما سؤالك ، لماذا خلقنا الله ؟
فالجواب من أجل عبادته وشكره وذكره ، والقيام بما أمرنا به سبحانه ، وأنت تعلم أن الخلق فيهم الكافر  وفيهم المسلم , وهذا لأن الله أراد أن يختبر العباد ويبتليهم هل يعبدونها من يعبدون غيره ، وذلك بعد أن أوضح الله السبيل لكل أحد ، قال الله  تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) تبارك/2 وقال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)  الذاريات/56
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى ، والمزيد المزيد من الدعوة والعمل للدين وصلى الله على النبي صلى الله عليه وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
إبراهيم عليه السلام   
هل لك أن تعطيني بعض المعلومات عن النبي إبراهيم عليه السلام ؟.
الحمد لله
أرسل الله نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وجعل في ذريته النبوة والكتاب : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً ) مريم/41 .
وقد ربى الله إبراهيم وأكرمه بفضائل وصفات حميدة : ( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين ، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ، وآتيناه في الدنيا حسنة و إنه في الآخرة لمن الصالحين ) النحل/120- 121- 122 .
وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء فلم يبعث نبياً من بعده إلا من نسله وقد كان له ولدان اصطفاهما الله بالنبوة وهما إسماعيل جد العرب ومن نسله بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم أما الآخر فهو إسحاق وقد رزقه الله نبياً اسمه يعقوب ويلقب بإسرائيل وإليه ينسب بنو إسرائيل مع أنبيائهم .
وقد أشار القرآن إلى أبوة إبراهيم للأنبياء بقوله عن إبراهيم : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين ) الأنعام/84 - 86 .
وقد دعا إبراهيم عليه السلام قومه في العراق إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان التي لا تنفع ولا تضر قال تعالى : ( وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً ، إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) العنكبوت/16-17 .
وقد أراد إبراهيم عليه السلام أن يحرر قومه من عبادة الأصنام . ويخلصهم من الخرافات والأساطير فسأل قومه عن هذه الأصنام كما قال تعالى : ( واتل عليهم نبأ إبراهيم ، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ، قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين ، قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) الشعراء/67 - 74 .
ثم بين لهم أن لا ينقادوا لغيرهم بلا عقل كالبهائم وقرر لهم الحقيقة العظمى وهي عبادة الله وحده الذي بيده ملكوت كل شيء : ( قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ، أنتم و آباؤكم الأقدمون ، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ، الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني ويسقين ، وإذا مرضت فهو يشفين ، والذي يميتني ثم يحيين ، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) الشعراء/75 - 82 .
وقد كان أبو إبراهيم من عبدة الأصنام وكان ينحتها ويبيعها فعز على إبراهيم كفر أبيه فخصه بالنصيحة وقال له : ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً ) مريم/42 - 43 .
ولكن أباه لم يستجب له بل هدده بالرجم والهجر فقال : ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك و اهجرني ملياً ) مريم/46 .
فما كان من إبراهيم إلا أن تركه وقال له : ( سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً ) مريم/47 .
وظل إبراهيم يستغفر لأبيه ويرجو ربه هدايته فلما تبن له أنه عدو لله تبرأ منه وترك الاستغفار له قال تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) التوبة/114 .
ولما أصر قوم إبراهيم على عبادة الأصنام أراد إبراهيم أن يبين لهم بالبرهان العملي أن تلك الأصنام لا تضر ولا تنفع بعد أن لم يؤثر في قومه الوعظ والإرشاد : ( فنظر نظرة في النجوم ، فقال إني سقيم ، فتولوا عنه مدبرين ، فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ، ما لكم لا تنطقون ، فراغ عليهم ضرباً باليمين ) الصافات/88-93 .
وقد كسر إبراهيم الأصنام إلا الكبير فتركه لعلهم يسألونه عمن فعل ذلك : (فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون ) الأنبياء/58 .
فلما رجعوا من عيدهم الذي خرجوا له رأوا الأصنام مكسرة واتهموا إبراهيم فقال لهم : ( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ) الأنبياء/63 .
ولما كانوا يعلمون أن تلك الأصنام لا تنطق لأنها جمادات حينئذ قالوا لإبراهيم : ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) الأنبياء/65 .
فلما اعترفوا بعجز تلك الأصنام قال لهم إبراهيم : ( أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم ، أفٍ لكم ولما تعبدون من دون اللّه أفلا تعقلون ) الأنبياء/67 .
ولما انقطعت حجتهم لجأوا إلى استعمال القوة فقالوا : ( حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) الأنبياء/68 .
فجمعوا حطباً كثيراً وأضرموه ناراً لها شرر ولهب عظيم ثم ألقوا إبراهيم عليه السلام في تلك النار فقال حسبي اللّه ونعم الوكيل فأنجاه اللّه منها وجعلها عليه برداً و سلاماً , وأبطل كيد أعدائه : ( قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين ) الأنبياء/69-70 .
ولما نجا إبراهيم من النار أمره اللّه بالخروج والهجرة من أرض العراق إلى الأرض المقدسة في الشام فتزوج ابنة عمه - سارة - وخرج بها مهاجراًً مع ابن أخيه لوط إلى بلاد الشام كما قال سبحانه : ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) الأنبياء/71 .
ثم نزلت بأرض الشام ضائقة شديدة فنزح إبراهيم إلى مصر ومعه زوجته ثم عاد منها إلى فلسطين ومعه زوجته - سارة - وجارية لها تدعى - هاجر - ورغب إبراهيم في الذرية وزوجته كانت عقيماً وقد تقدمت بها السن ولما رأت رغبة زوجها في الولد أهدت إليه جاريتها -هاجر - فتزوجها ورزق منها ابنه إسماعيل : ( رب هب لي من الصالحين ، فبشرناه بغلام حليم ) الصافات/100-101 .
وبعد أن ولدت هاجر إسماعيل ثارت الحسرة والغيرة في نفس سارة فطلبت من إبراهيم إقصاءهما عنها فأوحى اللّه إلى إبراهيم أن يأخذ هاجر وإسماعيل الرضيع ويذهب بهما إلى مكة فسار بهما وأنزل هاجر وطفلها إسماعيل في مكان قفر موحش ليس فيه ماء ثم تركهما وقفل راجعاً إلى فلسطين فقالت له هاجر لمن تتركنا بهذا الوادي القفر الموحش ؟ ولكن إبراهيم مضى وتركها فقالت حينئذ آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، فقالت : إذن لا يضيعنا اللّه .
واستسلم إبراهيم لأمر ربه وصبر على فراق زوجته وولده ثم التفت إليهم في مكانهم عند البيت الحرام ودعا بهذه الدعوات : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) إبراهيم/37 .
مكثت هاجر في مكة تأكل من الزاد وتشرب من الماء اللذين تركهما إبراهيم لها ولابنها فلما نفد ذلك عطشت وعطش ابنها فطلبت الماء وصعدت جبل الصفا فلم ترى شيئاً ثم صعدت جبل المروة فلم ترى شيئاً فعلت ذلك سبع مرات ثم التفتت إلى إسماعيل فإذا الماء ينبع من تحت قدميه ففرحت وشربت وسقت ابنها ثم جاءت قبيلة - جرهم - إلى هاجر واستأذنوها في السكن عند الماء فأذنت لهم فسكنوا بجوارها ولما كبر إسماعيل تزوج منهم وتعلم العربية منهم .
وفي تلك الفترة كان إبراهيم يزور ابنه من وقت إلى لآخر وفي إحدى الزيارات رأى إبراهيم في المنام أنّ الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل ورؤيا الأنبياء حق فعزم إبراهيم على تنفيذ أمر الله مع أنه في سن الشيخوخة وإسماعيل ابنه الوحيد قال تعالى : ( فبشرناه بغلام حليم ، فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، فلما أسلما وتله للجبين ، وناديناه أن يا إبرهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وفديناه بذبح عظيم ) الصافات/101-107 .
ثم بشره الله بولد آخر وهو إسحاق ثم رجع إبراهيم إلى فلسطين : ( وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين ) الصافات/112 .
وولد له إسحاق من زوجته سارة : ( وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) هود/71 .
ثم أقام إبراهيم في فلسطين مدة ثم جاء إلى مكة مرة أخرى لأمر عظيم فقد أمره الله أن يبني في مكة أول بيت يقام لعبادة الله فقام إبراهيم بالبناء وابنه إسماعيل يناوله الحجارة فلما ارتفع البنيان قام إبراهيم على حجر وهو مقام إبراهيم الموجود حول الكعبة قال تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) البقرة/127 .
وقد أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يطهرا البيت من الأصنام و النجاسات ليكون طاهراً للطائفين والقائمين والركع السجود ولما بنى إبراهيم البيت أمره الله أن يدعوا الناس للحج بقوله تعالى : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) الحج/27 .
ثم دعا إبراهيم عليه السلام بهذه الدعوات العظيمة لمكة ومن فيها : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ) البقرة/126 .
ثم دعا له ولذريته بقوله : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) البقرة/127-128 .
ثم دعا لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده فقال : ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) البقرة/129 .
وقد استجاب الله دعاء نبيه إبراهيم فجعل مكة بلداً آمناً ورزق أهلها من الثمرات وبعث فيهم رسولاً منهم هو خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فلله الحمد والشكر
وقد كانت النبوة والرسالة بعد إبراهيم في بني إسرائيل زمناً طويلاً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل رسولاً إلى الناس جميعاً وأمره بقوله : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) الأعراف/158 .
وقد أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم فقال سبحانه : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ) النحل/123 .
وكانت وصية إبراهيم إلى أبنائه هي التمسك بدين الإسلام والعمل به حتى الممات قال تعالى : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ) البقرة/132 .
اللهم صل على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
ومن الأنبياء في زمان إبراهيم عليه السلام لوط , وإسماعيل , وإسحق , ويعقوب ثم يوسف , ثم شعيب ثم أيوب ثم ذو الكفل ثم أرسل الله موسى وهارون عليهما وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري
التعامل مع المرأة في الدين الإسلامي  
أنا في طريقي لأن اصبح مسلما ولهذا أنا قلق فيما يتعلق بالفترة التي عشتها قبل التفكير بالإسلام وأخشى أن تحول تجاربي السابقة دون إتباع طريق الله الصحيح . أرجو منك أن تغفر لي صراحتي الشديدة  فأنا أشعر بالتردد نظرا لعدم السماح للرجال والنساء في الدين الإسلامي بالاحتكاك سويا في علاقات متكاملة ولهذا أشعر بالصراع يجتاحني ويتأجج داخلي قبل اعتناق الإسلام فقد كانت لي تجارب سابقة والآن قد قرأت كثيرا أن هذه التجارب محرمة في الإسلام فكيف يمكنني أن أوفق بين رغباتي وما ينهى عنه الدين في مجال التعامل مع النساء .
الحمد لله
لا يُمكن أن نخفي اغتباطنا وتقديرنا لك أيها السائل الكريم ولا يسعنا إلا الفرح بما ظهر في سؤالك من دلائل التوجّه إلى اعتناق الدين الحقّ - دين الإسلام - . وأما ما ذكرت من حيرتك وترددك فهو أمر مفهوم لأنّ الشّخص عندما يكون منغمسا في أوحال علاقات محرّمة ثمّ يريد الانتقال إلى دين الطّهر والعفاف فإنّه يخشى أن تغلبه نفسه فلا يستطيع الوفاء بما يطلبه الإسلام من الطّهارة والعفّة ولكن سنذكر لك فيما يلي أمرا لعله يعينك على تخطّي الصّعوبة التي تخشاها ويُعطيك التصوّر الصحيح للموقف .
إنّ المفترض فيمن يتّبع الدّين الحقّ أن يكون لهذا الدّين أثر بالغ على نفسه وأخلاقه بحيث يصوغ هذا الدّين شخصيته صياغة جديدة ويبعثه بعثا جديدا بالكليّة ويحوّل حياته إلى مسار آخر مختلف تمام الاختلاف عمّا كان عليه في أيّام جاهليته . وهذا التحوّل الجذري والاختلاف الكليّ سيُنشئ أخلاقا وقيما لم تكن موجودة من قبل ويُحدث تطهيرا للقلب وعفّة في النّفس تجعل هذا المسلم الجديد ينظر بعين الاستقذار لما كان يفعله في الماضي ويبعث الشّعور بالاشمئزاز لما عليه أهل الجاهلية من الفواحش والخيانات والعهر والعري وسائر القاذورات المنتشرة في المجتمع من حوله ، ويستعيد سلامة الفطرة ونقاء القلب التي سلبها الشّيطان منه في أيام كفره وفجوره ، وسيكون هذا التوجّه عن طواعية نفس واختيار مقترن بالرّضا صادر عن استسلام كليّ لأوامر ونواهي الربّ الذي شرع هذه الشّريعة وأنزل هذا الدّين وهو الإسلام ، ولنا على هذا الكلام دليلان شرعي وتاريخيّ .
فأمّا الشرعي فهو في كتاب الله مذكور في عدد من الآيات كقوله تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا  ) سورة الأنعام آية 122 . وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) سورة الفرقان
قال المفسرون في شرح قوله تعالى : ( يبدّل الله سيئاتهم حسنات ) : أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن السيئات فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات .
وقال عطاء بن أبي رباح هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا وقال سعيد بن جبير أبدلهم الله بعباده الأوثان عبادة الرحمن وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات وقال الحسن البصري أبدلهم الله بالعمل السيء العمل الصالح وأبدلهم بالشرك إخلاصا وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين . تفسير القرآن العظيم لابن كثير
وأمّا الدليل التاريخي فقصص متعددة للمسلمين الذي دخلوا في الإسلام بعد أن كانوا كفّارا كيف تغيّروا واستقام أمرهم ومن ضمن ذلك القصّة التالية :
كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَكَانَ رَجُلا ( مسلما ) يَحْمِلُ الأَسْرَى ( أي المسلمين فيهرّبهم ) مِنْ مَكَّةَ ( وكانت دار المشركين ) حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ ( وهي دار المسلمين ) قَالَ : وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ ( أي أيام الجاهلية قبل أن يُسلم )  وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْهُ ( أي عرفتني ) فَقَالَتْ مَرْثَدٌ ؟ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ . فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ قَالَ قُلْتُ يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا ، قَالَتْ يَا أَهْلَ الْخِيَامِ هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ ( أي انتقمت منه لامتناعه عن الزنا بها فنادت الكفار ليمسكوه ) ، قَالَ فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ ( وذكر كيف أنجاه الله منهم ) وهذه القصة سبب نزول قوله تعالى الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . رواه الترمذي وحسّنه 3101 .
والشّاهد من القصّة كيف تغيّر حال الرّجل بعد إسلامه وامتنع عن فعل الحرام الذي عُرض عليه . وكذلك الحال في المرأة إذا أسلمت واستقامت على الإسلام كما في القصّة التالية :
عن عبد الله بن مغفل أن امرأة كانت بغيا في الجاهلية فمرّ بها رجل أو مرّت به فبسط يده إليها فقالت مَه ( كلمة زجر وإنكار بمعنى أكفف ) إن الله أذهب بالشرك وجاء بالإسلام فتركها وولى .. رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
فلو أنك أسلمت وحَسُن إسلامك واستقمت على هذه الشّريعة المباركة وعبدت الله كما يحبّ سبحانه والتزمت أمره واجتنبت نهيه فلن تجد إن شاء الله هذه الصّعوبة التي ذكرتها في سؤالك ولن تعاني منها ، ثمّ إن عندك من وسائل العفاف ما تكفّ به نفسك عن الحرام ومنه هذا الزّواج الذي أمرت به الشَّريعة ، ومن سلك السبيل النّظيف فلن يحتاج إلى مستنقع وَحْل ينغمس فيه ، نسأل الله لك الهداية العاجلة ، وأن يسهّل لك الأمور ويُبعد عنك الشرور ، وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد

لما خُلق البشر ؟.
الحمد لله
أولاً :
من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة " ، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم " ، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة ، ومصالح راجحة عميمة ، عَلِمَها من عَلِمها ، وجَهِلها من جهلها ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم ، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً ، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً ، فقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) المؤمنون/115،116 ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) الأنبياء/16 ، وقال عز وجل : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) الدخان/38 ، 39 ، ويقول سبحانه وتعالى : ( حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) الأحقاف/1 – 3 .
وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل ، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة ، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين ؟!
ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه ، ونفاها الكفار ، قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران/190 ، 191 ، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه - : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص/27 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض ، وأنه لم يخلقهما باطلاً ، أي : عبثاً ولعباً ، من غير فائدة ولا مصلحة .
( ذلك ظن الذين كفروا ) بربهم ، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله .
( فويل للذين كفروا من النار ) فإنها التي تأخذ الحق منهم ، وتبلغ منهم كل مبلغ ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق ، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته ، وسعة سلطانه ، وأنه تعالى وحده المعبود ، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض ، وأن البعث حق ، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر ، ولا يظن الجاهل بحكمة الله ، أن يسوي الله بينهما في حكمه ، ولهذا قال : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 712 ) .
ثانياً :
ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر ، فيكون بذلك كالبهائم ، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان ، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً ، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم ، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12 ، وقال تعالى : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الحجر/3 , وقال تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف/179 . ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره ، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر ، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس ، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا ، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة ، فهذه العين للنظر ، وهذه الأذن للسمع ، وهكذا ، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة ، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً ؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه ؟!
ثالثاً :
وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض ، والحياة والموت للابتلاء والاختبار ، ليبتلي الناس , مَنْ يطيعه ليثيبه ، ومَنْ يعصيه ليعاقبه ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) هود/ 7 ، وقال عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/ 2 .
وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته ، مثل اسم الله تعالى " الرحمن " ، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و " الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى .
ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات - : الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له ، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إلا ليعبدون ، أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً ، وهذا اختيار ابن جرير ، وقال ابن جريج : إلا ليعرفون ، وقال الربيع بن أنس : إلا ليعبدون ، أي : إلا للعبادة " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 4 / 239 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ، ومعرفته بأسمائه وصفاته ، وأمرهم بذلك ، فمن انقاد ، وأدى ما أمر به ، فهو من المفلحين ، ومن أعرض عن ذلك ، فأولئك هم الخاسرون ، ولا بد أن يجمعهم في دار ، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم ، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء ، فقال : ( ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) أي : ولئن قلتَ لهؤلاء ، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت ، لم يصدقوك ، بل كذبوك أشد التكذيب ، وقدحوا فيما جئت به ، وقالوا : ( إن هذا إلا سحر مبين ) ألا وهو الحق المبين " انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 333 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق