الاثنين، 7 مايو 2012

«المجتمع» تكشف حقيقة الأذرع الأمنية التي يقتل النظام السوري بها شعبه

«المجتمع» تكشف حقيقة الأذرع الأمنية التي يقتل النظام السوري بها 
شعبه (1 - 2)
تقتضي الموضوعية منا بداية الإشارة إلى أن «بشار الأسد» ورث من والده دولة «أمنية» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فوالده الذي جاء بانقلاب عسكري، أطلق عليه زوراً وبهتاناً اسم «الحركة التصحيحية»، التي يُرغم ويُكره السوريون على الاحتفال بها كل عام، انكبَّ وانغمس على مدار العقود الثلاثة التي حكم خلالها في بناء الدولة الأمنية، من أجل تحقيق أهداف محددة. أولها: المحافظة على بقائه في السلطة، والحيلولة دون وقوع أي انقلاب عسكري، أو ثورة شعبية ضده، رافعاً شعار «إلى الأبد.. يا حافظ الأسد»! وثانياً: سيطرة «الطائفة العلوية» التي ينتمي إليها الحكم في سورية. وثالثاً: توريث الحكم لأبنائه. وإذا نظرنا إلى هذه الأهداف، فإننا نجد أن «حافظ الأسد» نجح في تحقيقها، حيث استمر رئيساً على سورية لمدة ثلاثين عاماً، وهو رقم قياسي لم يتحقق لأي من الذين حكموا سورية منذ استقلالها، كما أنه أمّن توريثاً هادئاً وسلساً للحكم لابنه «بشار»، الذي كان قد أمضى في الحكم عندما اشتعلت الثورة ضده أكثر من عقد بقليل.. وأما «الطائفة العلوية»، فقد مكّنها «حافظ الأسد» من الإمساك بمفاصل الحكم والسلطة، خصوصاً الأمنية والعسكرية فيها. إدارات الجحيم إنها «الأجهزة الأمنية»، التي يعود الفضل في إنشائها وتأسيسها إلى والده «حافظ»، الذي صنع هذه الأجهزة على عينه، ورعاها ودعمها، فكانت «أذرعه» الضاربة، التي جنّدت كل إمكاناتها لحمايته وحماية نظامه، والتي لا يُعرف عددها على وجه التحديد، ولكنها تتركز في أربعة أجهزة أمنية رئيسة وفاعلة هي: «إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، شعبة الأمن العسكري، إدارة المخابرات الجوية، شعبة الأمن السياسي»، وإذا كانت هناك دول تشترك مع سورية في تعدد أجهزتها الأمنية، فإن المفارقة تكمن في أن جميع الأجهزة المذكورة، على تماس مباشر مع المواطنين السوريين، وتقوم بعمليات المتابعة والرصد والرقابة والتجسس عليهم، كما أنها تقوم بعمليات الاعتقال والتعذيب ضدهم، ويمكن لمواطن أن يعتقل لدى جهاز أمني، وبعد إطلاق سراحه، يقوم جهاز آخر باعتقاله كذلك، والتحقيق معه من نقطة الصفر، لذا نجد أن الصراع بين هذه الأجهزة على أشده دائماً، ويدفع المواطن السوري ثمن هذا الصراع. جلادو النظام اللواء «علي المملوك»، أحد جلادي «بشار» ومجرميه، وهو يشغل منصب مدير إدارة المخابرات العامة، الذي تم تعيينه فيها عام 2005م، خلفاً للواء «هشام الختيار»، واللواء «المملوك» يبلغ من العمر 67 عاماً (مواليد 1945م)، وعلى الرغم من أن «المملوك» يعرّف نفسه، بأنه ينحدر من أسرة دمشقية تنتمي إلى الطائفة السُّنية، فإن هناك من يشكك في ذلك، مشيرين إلى أنه ينحدر من أسرة تعود جذورها إلى لواء الإسكندرونة، الذي أصبح جزءاً من الدولة التركية، بموجب اتفاقية «أضنة» السرية في أكتوبر 1998م، وتقطنه غالبية علوية، ويعد اللواء «المملوك» من أكثر ضباط الأجهزة الأمنية غموضاً، حيث رافقه الغموض طوال سيرته الأمنية، التي بدأها ضابطاً في إدارة المخابرات الجوية، منذ تأسيسها على يد اللواء «محمد الخولي» عام 1970م، حيث كان «المملوك» حينها لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، وقد أسند إليه لاحقاً رئاسة فرع التحقيق، حيث ينتمي إلى المدرسة الأمنية، التي تضم أسماء عرفت بأنها الأقسى والأكثر وحشية، والأقل إنسانية، وكانت تدفعها ساديتها إلى ممارسة التعذيب مع الضحايا بنفسها، وهي تضم: «هشام الختيار، محمد ناصيف، مصطفى التاجر، يحيى زيدان، عبدالمحسن هلال». أساليب وحشية وللإضاءة على أساليب التعذيب، التي كان يستخدمها «المملوك» في فرع التحقيق بمطار «المزة»، نتوقف عند أبرز وأشد هذه الأساليب: أولاً: الحلقة (الرينغ): وهي عبارة عن «أكرة» معلّقة في السقف، ذات أخدود على محيطها، شبيهة بتلك التي تستخدم لحركة الحبل الذي يرفع دلو الماء من البئر، حيث يتم تقييد المعتقل من رسغيه خلف ظهره بوساطة «الكلبشة» أو وسيلة أخرى، وبعد ذلك يجري تعليق القيد بأحد طرفي حبل يتدلى من «الرينغ» المعلّق في السقف، وهذا الحبل حر الحركة والانزلاق في الأخدود المحيط بـ «الرينغ» صعوداً وهبوطاً، وبعد ذلك يقوم أحد عناصر المخابرات أو أكثر من عنصر (وذلك تبعاً لوزن المعتقل الذي يخضع للتعذيب)، بسحب الحبل من طرفه الآخر، كما لو أنه يسحب ماء من بئر، الأمر الذي يؤدي إلى رفع المعتقل عن الأرض، وبالنظر إلى أن المعتقل يكون مقيداً من الخلف وليس من الأمام، أي عدم وجود أي إمكانية لحركة الساعدين إلى الأعلى من مفصلي الإبطين، فإن مجرد رفع السجين عن الأرض، ولو لبضعة سنتيمترات قليلة، يتسبّب بآلام رهيبة في المفصلين عند الكتف، وفي كثير من الأحيان تحصل عملية أشبه ما تكون بفسخ الدجاجة، خصوصاً إذا كان السجين ذا وزن كبير، أو إذا سحب الجلاد الحبل بسرعة (بطريقة النتر). ومن أبرز المعتقلين الذين استخدمت معهم هذه الطريقة، وكان «علي المملوك» مشرفاً على تعذيبهم شخصياً «رئيف داغر» (مواطن لبناني سلّمه «حزب الله» للمخابرات الجوية السورية، وتعرض للتعذيب بهذه الأداة بتاريخ 18 سبتمبر 1990م)، «ضرار عبدالقادر» (مواطن لبناني اختطفته «الجبهة الشعبية القيادة العامة»، «أحمد جبريل»، وسلّمته للمخابرات الجوية في يونيو 1986م، ويعتقد أنه تابع لحركة «التوحيد الإسلامي»، التي كان يرأسها الشيخ سعيد شعبان - يرحمه الله - في طرابلس، «كلود حنا خوري» (رقيب في الجيش اللبناني من الموالين للجنرال «ميشيل عون»، عذّب بهذه الطريقة في شهر نوفمبر 1990م)، «د. فؤاد طالباني» (ابن عم الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني، اختطف من مطار دمشق بينما كان عابراً بطريقة الترانزيت قادماً من لندن، جرى تعذيبه بهذه الطريقة في شهر أغسطس 1989م)، لإجباره على الاعتراف بأنه ذاهب لمقابلة «صدام حسين» بأمر من «جلال الطالباني»، وبعد أن فشل «المملوك» في انتزاع الاعتراف الذي يريده منه، وضع عنقه على الحافة المعدنية لمدخل غرفة التحقيق، وظل يفرك عنقه بحذائه ذهاباً وإياباً إلى أن كسر فقرات رقبته، وقد أصيب بشلل نهائي في طرفيه العلويين والسفليين، وقد شاهده العشرات من معتقلي سجن «صيدنايا» العسكري، حين نقل من السجن بتاريخ 2 أبريل 1992م إلى مكان مجهول. ثانياً: المرج: وهو عبارة عن لوح سميك من الخشب مرصّع بحصى من الصوان مدببة وحادة، ويتم إجبار المعتقل على المشي عليه أو الهرولة فوقه، وعند محاولته التوقف يتم ضربه بالكيبل الرباعي (الفولاذي المخصص لنقل الكهرباء ذات التوتر العالي) من قبل عدد من العناصر المحيطين بلوح الخشب، وذلك لإجباره لا إرادياً على الحركة فوقه ومنعه من الخروج عنه.. ومن أبرز المعتقلين الذين عذّبوا به، إضافة لمن ذكرت أسماؤهم سابقاً، كل من: «عصام الكعدة» (مواطن لبناني اختطفته حركة «أمل» بقيادة «نبيه بري» وسلمته للمخابرات السورية في عام 1983م)، «إلياس ميشيل عبدالنور» (مواطن لبناني شوهد بتاريخ 12 مارس 1984م، وتم تعذيبه لعدة أشهر اختفى فيها أثره بعد ذلك، ليظهر من ثم في المقر الجديد للمخابرات الجوية في ساحة التحرير بالقرب من حي باب توما في دمشق أوائل أبريل 1989م)، «فخر زيدان» (مواطن سوري من ريف محافظة طرطوس سبق له أن اعتقل من قبل المخابرات الجوية بتهمة انتمائه لـ«حزب البعث الديمقراطي»). ثالثاً: استخدام المعتقلين في تجارب اختبار على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، حيث كان «المملوك» يشرف على ذلك بصفته رئيساً لفرع التحقيق في المخابرات الجوية، وقد أدى دوراً أساسياً في فرز العشرات من المعتقلين السوريين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين إلى معتقل «خان أبو الشامات» السري التابع للمخابرات الجوية من أجل إخضاعهم لاختبار أسلحة كيميائية وبيولوجية.. وطبقاً لمعلومات مؤكدة، فإن «المملوك» كان عضواً في اللجنة العليا التي أشرفت على هذه الجريمة، والتي ضمت وزير الدفاع السابق «مصطفى طلاس»، وأحد مستشاريه للشؤون العلمية، إضافة إلى خبراء من مركز البحوث العلمية التابع لوزارة الدفاع، والذي ترأسه حينذاك «د. واثق شهيد»، وخلفه اللواء «علي ملاحفجي» (القائد الأسبق للقوات الجوية والدفاع الجوي)، وأطباء تابعين لإدارة الخدمات الطبية العسكرية وضباط من المخابرات الجوية، وكان الدور الأخطر الذي مارسه «المملوك» في هذه الجريمة هو اجبار المعتقلين على التوقيع على النص التالي: «.. أنا السجين (...)، وبعد أن تبلغت حكم الإعدام الصادر بحقي، أعرب بملء إرادتي ودون إكراه عن استعدادي للتطوع من أجل اختبار عقاقير طبية لصالح مصانع إنتاج الأدوية، سواء منها التي تملكها وزارة الصحة أو تلك التابعة لوزارة الدفاع، أو أي جهة حكومية أخرى..». رابعاً: الوسائل «التقليدية»: هناك وسائل تقليدية أخرى، هي: الدولاب، بساط الريح، الحرق بأعقاب السجائر، الضرب بالكيبل الفولاذي الرباعي. قضية «أبو عجيب»! إضافة لكل ما سبق ذكره من الجرائم الوحشية التي كان «المملوك» ولا يزال متورّطاً فيها، يمكن تسجيل قضية العميد «عصام أبو عجيب»، في «السجل الأسود» له، حيث بدأت قصة العميد «أبو عجيب» عندما اعتقلته المخابرات الجوية عام 1989م بأمر من «حافظ الأسد» بعد أن أبدى في أحد الاجتماعات العسكرية عالية المستوى احتجاجه واستنكاره لجريمة الاختبارات المشار إليها، وكشف عن اختراق أجنبي خطير لأمن سلاح الجو أدى إلى هروب النقيب الطيار «بسام العدل»، الذي كان صديقاً لـ«المملوك»، ويلعب معه القمار في شقق خاصة بالدعارة والقمار بحي المزرعة في دمشق، وحين صدر أمر الاعتقال بعد تقرير رفعه فيه اللواء «إبراهيم حويجة» و«المملوك» لـ«حافظ الأسد»، لم يكتف «المملوك» بإرسال عناصره لاعتقال العميد «أبو عجيب»، بل ذهب هو شخصياً، نظراً لحقده عليه، وحين اقتاده من منزله في الطابق الرابع من البناية التي كان يسكنها في حي البرامكة، رفض السماح له حتى بتبديل ملابسه، وطيلة وجوده في فرع التحقيق بمطار «المزة» (قبل نقله لمقر المخابرات الجوية)، مارس الجلاد «المملوك» أبشع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي على العميد «أبو عجيب»، وليس أقلّها إعطاء الأوامر للمجرمين الذين يعملون تحت إمرته بنتف شعره وشعر شاربيه بخيوط من النايلون، وصب الماء البارد عليه، وتبوّل بعضهم فوق فراشه من فتحة في سقف زنزانته.. وهو الضابط الذي أبلى بلاء حسناً في حرب أكتوبر، حيث حمل وسام بطل الجمهورية نتيجة إسقاطه 43 طائرة «إسرائيلية»، وقد بقي في السجن ستة أعوام، إلى أن خرج مثقلاً بالأمراض، إلى أن توفاه الله بعد خمسة أعوام من خروجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق