الخميس، 10 مايو 2012

انتخابات الجزائر.. خريطة معقدة واحتمالات مفتوحة


انتخابات الجزائر.. خريطة معقدة واحتمالات مفتوحة!
"إذا نجحت هذه الانتخابات، فعلى بركة الله، أما إذا حدث العكس فعافاكم الله مما خفي".. لم يكن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يبالغ وهو يستخدم تلك الكلمات القاطعة للحديث عن الانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من مايو المقبل، فهذه الانتخابات هي الأهم في تاريخ الجزائر منذ انتخابات 1991، التي انقلب عليها العسكر بعد الفوز الكاسح للجبهة الإسلامية للإنقاذ، مما أدخل البلاد في دوامة من العنف استمرت عقدًا كاملًا، وراح ضحيتها أكثر من 200 ألف شخص، فيما بات يعرف في الأدبيات الجزائرية بـ"عشرية الدم" أو "العشرية السوداء".

زوايا أهمية الانتخابات تتعدد، فهي الأولى التي تشهدها الجزائر في ظل "ربيع الثورات العربية"، الذي مست "نسائمه" الجزائر برفق، حيث تحصن النظام بعائدات النفط والغاز الضخمة، مما مكنه من تقديم مساعدات وحوافز سخية للمواطنين، وهذا ما دفعهم للإحجام عن التظاهر بكثافة وقوة، ولم تكن "الرّشى المالية" فقط هي التي دفعت الجزائريين للتحفظ عن المطالبة بـ"إسقاط النظام"، على غرار ما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن، ولكن ما عانوه من دمار وعنف وتقتيل خلال "عشرية الدم" (1992- 2002) ربما جعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل تكرار التجربة مجددًا.

كما أن البلاد شهدت في السنوات الأخيرة درجة لا بأس بها من توسيع دائرة المشاركة، تمثلت في مشاركة حزب "حركة مجتمع السلم" (حمس) في ائتلاف حكومي ثلاثي، ضم معها "جبهة التحرير الوطني" وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي".

خلافة بوتفليقة

الزاوية الثانية للأهمية تتمثل في كون الانتخابات هي الأخيرة قبل الاستحقاق الرئاسي المقرر في 2014، وهناك تكهنات واسعة بأن الرئيس بوتفليقة لن يخوض الانتخابات في ظل حالته الصحية غير المستقرة، حيث تلقى علاجًا طويلًا ومؤلمًا من "سرطان المعدة"، وفق تسريبات وثائق ويكليكس، و"قرحة بالمعدة" حسبما تقول الرواية الرسمية، ومنذ ذلك الحين قلل بوتفليقة بشدة من ظهوره العلني، وفي المرات القليلة التي ظهر فيها كان "شاحب الوجه"، وليس هناك خليفة واضح لبوتفليقة، فبعض التوقعات تشير إلى ممثله الخاص ووزير الخارجية السابق "عبد العزيز بلخادم"، لكن الأخير يواجه مقاومة شرسة من بعض التيارات داخل حزب جبهة التحرير الحاكم، الذي يتولى بلخادم رئاسته، كما أنه لا توجد مؤشرات واضحة حول مدى تأييد القوى النافذة في الداخل- الجيش والأجهزة الأمنية- وفي الخارج- فرنسا والولايات المتحدة- لترشح بلخادم.

أما الزاوية الثالثة فتكمن في أن البرلمان الجديد سوف يتولى وضع دستور جديد للبلاد، يتوقع أن يتضمن صلاحيات واسعة للبرلمان في مراقبة السلطة التنفيذية، ولذلك فإن معظم الأحزاب استنفرت كافة طاقاتها للحصول على أكبر عدد من المقاعد، بما يضمن لها مشاركة مؤثرة في وضع الدستور، ويتزامن هذا مع فتح الباب لإشهار أحزاب جديدة، وتمكينها من خوض الانتخابات، (22 حزبًا)، وهو ما أضفى مزيدًا من السخونة على الحملات الانتخابية، خاصة أن عددًا من الأحزاب الكبرى شهد انشقاقات واسعة في السنوات الأخيرة، مثل خروج عبد المجيد مناصرة من "حمس" بينما شهدت "جبهة التحرير الوطني" ثلاثة انشقاقات، أبرزها خروج "على بن فليس" في 2005، وتشكل الانتخابات المقبلة اختبارًا صعبًا كي تبرهن هذه الأحزاب على أنها لم تتأثر بالانشقاقات، وهو ما ينطبق كذلك على المنشقين، الذين حشدوا قواهم لإثبات صوابية موقفهم.

أجواء مختلفة

الزاوية الرابعة للأهمية تتمثل في أن الرئيس بوتفليقة أعلن عن عدة قرارات إصلاحية، لضمان إجراء انتخابات شفافة، وشملت تلك الإجراءات إنشاء لجنة للانتخابات بدلًا من قيام وزارة الداخلية بإدارتها، وخضوع الانتخابات لإشراف قضائي، والسماح لمراقبين دوليين بمتابعة الانتخابات وتقييمها، وإصدار تعليمات مشددة لأجهزة الدولة بالامتناع عن تقديم أي دعم للمرشحين المحسوبين على النظام، ورغم أن تلك القرارات لم تمنع حدوث بعض الاختراقات القانونية، مثل التسجيل الجماعي لجنود الجيش والأمن في قوائم الناخبين وفي غير المواعيد المحددة لذلك، إلا أن الكثيرين يراهنون على أن الانتخابات المقبلة قد تكون الأكثر شفافية منذ انتخابات 1991، مع الإقرار بأن كلمة "الشفافية" تبقى نسبية و"مطاطة"، وتقاس وفقًا للمعايير الجزائرية، وليس تلك الشفافية التي تشهدها الديمقراطيات العتيقة، فكل الآمال تتجه صوب أن تكف الدولة يدها عن التدخل الصارخ للتلاعب بالنتائج، عبر تسويد البطاقات أو تغيير الصناديق، حيث إنه لا أحد يراهن على شفافية بالمعايير العالمية.

الأهمية الخامسة يمكن صياغتها في سؤال مثير وغامض وهو: هل يكرر الإسلاميون في الجزائر التفوق الواسع لنظرائهم في تونس ومصر والمغرب؟ الإجابة عن هذه السؤال تبدو أكثر تعقيدًا في الحالة الجزائرية، فجبهة الإنقاذ، التي اكتسحت انتخابات 1991، مستبعدة من الانتخابات ومحظور على كوادرها العمل بالسياسة، كما أن الجبهة من جانبها دعت لمقاطعة الانتخابات، أما الحزب الإسلامي الذي يليها في الشعبية وهو "حمس"، فقد تعرض لانشقاق واسع قبل عدة سنوات قاده الرجل الثاني في الحزب "عبد المجيد مناصرة"، وخرج معه قطاع مؤثر من القيادات الوسيطة، كما أن تجربة مشاركة الحزب في الحكومة الحالية لم تكن إيجابية، ولم يلعب الحزب دورًا ذا شأن في صياغة قرارات الحكومة، وهو ما أدى إلى نشوب خلافات عميقة بين قادة بالحزب ورئيسه "أبو جرة سلطاني" حول جدوى البقاء بالحكومة، ويتوقع أن تشكل تلك النقطة ثقلًا مهمًا في قرار الناخبين بالتصويت للحركة من عدمه.

لكن في المقابل فإن الحركة نجحت في صياغة تحالف انتخابي ثلاثي، يضم كذلك حركتي النهضة والإصلاح، ويطمح التحالف، وفقًا لزعيمه "أبو جرة"، في الحصول على المرتبة الأولى، وحصد 120 مقعدا من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 462، وهي نسبة تتجاوز الخمس بقليل، وتشير إلى أن التحالف لا يطمح مطلقًا إلى تكرار الفوز الكاسح للإسلاميين في مصر وتونس مثلًا، وهذا التقدير المتواضع يبدو منسجمًا، أو بالأدق متفائلًا، مقارنة بنتائج "حمس" في الانتخابات الأخيرة.

وإلى جانب هذا التحالف تخوض الانتخابات أحزاب إسلامية أخرى ذات وزن معقول، مثل "جبهة العدالة والتنمية"، التي أسسها قبل أسابيع القيادي الإسلامي المخضرم الشيخ "عبد الله جاب الله"، وجبهة التغيير الوطني التي أسسها عبد المجيد مناصرة، وهذان الحزبان حصلا على الترخيص العلني قبل أسابيع، ولا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بحظوظهما المتوقعة في الانتخابات.

الأغلبية المستحيلة

وإذا كانت التوقعات المتفائلة تذهب إلى أن الإسلاميين مجتمعين لن يتجاوزوا نسبة الثلث في البرلمان المقبل، مقابل 60 مقعدًا في انتخابات 2007، فإن الأحزاب الأخرى تعاني أيضًا من انشقاقات وتراجع في شعبيتها، ولذا فإن التوقعات تذهب إلى أن نتيجة الانتخابات، التي يخوضها أكثر من 25 ألف مرشح يمثلون 44 حزبًا ومئات القوائم للمستقلين، لن تفصح عن أغلبية واضحة لأي حزب، وأن الحكومة المقبلة، ستكون على غرار الحالية "ائتلافية"، لكن طبيعة هذا التحالف تبقى رهنًا بنتائج الانتخابات نفسها، هذا إذا ما جرت بدرجة نزاهة مقبولة.

أما إذا تكررت التدخلات الفجة المعتادة في الانتخابات، فإن "ما خفي" الذي حذر منه بوتفليقة قد يخرج من القمقم، ولا يمكن التوقع بأي صورة ما سوف يأتي به "ربيع الثورات" إذا ما هب على الجزائر، فالدولة والجيش القويان قد يحولان دون تكرار "سيناريو ليبيا"، لكن سيناريو اليمن ليس مستبعدًا، حيث قاد شباب مستقلون لا ينتمون للأحزاب التقليدية الحراك الشعبي ونجحوا بعد أكثر من عام في الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح، لكن مرافق الدولة والخدمات العامة تعرضت لشلل تام خلال تلك الفترة، لكن في المقابل فإن الكثيرين يستبعدون ذلك، فالدولة في الجزائر أقوى بكثير مما كانت عليه عام 1991، كما أن في خزائنها احتياطي نقدي يتجاوز 150 مليار دولار، وبالتالي يمكنها أن تقدم حوافز ورشًى للمواطنين تجعلهم يغضون الطرف عن نتائج الانتخابات، أو لا يلقون لها بالًا من الأساس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق