الأربعاء، 16 مايو 2012

هل كل من خالف السنَّة وقع في البدعة ؟ وتنبيهات على معنى الاتباع

السؤال:
لقد قرأت الكثير من الفتاوى المتعلقة بموضوع البدعة ، وخلصت منها إلى أن العبد يجب عليه أن يتابع النبي صلى الله عليه وسلم تمام المتابعة في عباداته ، وأنه لو خالف في شيء بسيط في هذه المتابعة فإنه يكون عندئذٍ قد أتى ببدعة ، فهل هذا صحيح ؟ . لكن هذا الكلام يوحي بأن معظم أفعالنا التعبدية يشوبها شيء من البدعة ، فعلى سبيل المثال : النبي صلى الله عليه وسلم أكّد على فضل الدعاء في صلاة الجماعة ، ثم يأتي أناس فيدعون بعد الصلاة ، فهل يُقال إنهم أتوا ببدعة ؟! فالعبادة عبادة وما اختلف إلا التوقيت ، أو لنقل على سبيل المثال : لو أن الشخص أحبّ أن يقرأ سورة الكهف يوم الاثنين أو الثلاثاء بدلاً من الجمعة فهل يُعتبر بهذا مبتدعاً ؟ وهل يُفهم أن المتابعة لا تقتصر على كيفية أداء الفعل بل حتى توقيته ، فإذا خالف الشخص هذا التوقيت - كما في المثالين - عُدّ مبتدعاً ؟ .

الجواب :
الحمد لله
أولاً:
صحيح أنه يجب على المسلم أن يكون متبعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما شرعه ، وأنه لا يحل له مخالفته ، ولا الابتداع في الدين ، للأدلة الدالة على وجوب الاتباع وتحريم الابتداع .
ولكن ينبغي أن يعلم أن مخالفة الاتباع تكون على وجهين :
الأول :
ابتداع عبادة لا أصل لها في الشرع ، كالتمسح بالقبور ، والاستغاثة بأهلها ، وهذه تسمى عند أهل العلم : البدعة الحقيقة ، وهي التي لم تشرع بأصلها ولا وصفها .
والثاني :
أن تكون العبادة مشروعة في أصلها ، وتقع المخالفة في تحديد زمانها أو مكانها أو عددها أو كيفيتها أو سببها ، وهذه تسمى البدعة الإضافية ، ولا تكون بدعة إلا إذا فعلت على سبيل الالتزام والتكرار ، فلو فعلت المرة أو المرتين دون التزام ، لم تكن بدعة ، كما لو قام الليل جماعة في ليلة من الليالي دون اعتقاد فضل معين لها .
ولهذا قال الشاطبي رحمه الله في بيان البدعة الإضافية : " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك .
ومنها التزام العبادات المعينة ، في أوقات معينة ، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان ، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/ 37-39).
فالالتزام يعني المداومة والتكرار .
ثانيا :
الدعاء مشروع في الصلاة ، وعقبها ، على الراجح ، والممنوع هو الدعاء الجماعي .
ودليل مشروعية الدعاء بعد الصلاة ما يلي :
1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت )
رواه أبو داود (1509) وصححه النووي في " المجموع " ، وبين أنه لا يعارض ما ثبت من الدعاء بهذا الدعاء قبل السلام، فكان صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء في الموضعين، انظر: " المجموع " (3/ 467) .
2- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع؟ قال : ( جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات ) رواه الترمذي (3499) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " .
ودبر الصوات يطلق على عقبها كما يطلق على آخرها ، ومن إطلاقه على ما بعد الصلاة : ما جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة ) رواه أحمد (17453) وأبو داود (1523) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وأما الدعاء الجماعي فلم يرد ، ولهذا كان التزامه عقب الصلوات من البدع .
فالعبادة إذا ، لابد أن توافق الشرع في أمور ستة : الكم ، والكيف ، والزمان ، والمكان ، والسبب ، والجنس ، وانظر تفصيلاً لهذا في جواب السؤال رقم ( 21519 ) .
ثالثاً:
لا حرج في قراءة سورة الكهف في غير يوم الجمعة ، إن شاء القارئ ذلك ، أو وافق ذلك ورده من القراءة ، وله بكل حرف عشر حسنات كما هو الأجر في قراءة غيرها من السور ، لكن بشرط ألا يجعل لها يوما خاصا لقراءتها ، كما هو الحال في يوم الجمعة ، ومن ثم : لا يعتقد أن لقراءتها في هذا اليوم فضيلة عن قراءتها في غيره من الأيام ، أو أن لقراءتها في يوم معين من الفضل ، مثل الفضل الوارد في قراءتها يوم الجمعة ؛ فإن ذلك الفضل خاص بيوم الجمعة ، عند من يقول بصحة الحديث الوارد في ذلك .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق