إن هاجس الولايات المتحدة من تهديد تنظيم القاعدة في حاجة ماسة إلى من يكشف
زيفه. فهذا الهاجس قد تسبب في تضليل رؤساء الأمن الوطني والسياسيين بشكل
خطير بمن فيهم الرئيس أوباما نفسه. وأدى بالولايات المتحدة بأكملها إلى
حالة من الهلع؛ شنت بسببها من جراء صدمة هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001
حربين كارثيتين وغير ضروريتين في أفغانستان والعراق سببت تكلفة كبيرة
لقواتها العسكرية، ولمواردها المالية، ولسمعتها كذلك. وكل هذا يشكل جزءاً
بسيطاً من الضرر الكبير الذي لحق بها من جراء ذلك .
- وأدت الحرب على الإرهاب أيضاً بالولايات المتحدة إلى إنشاء مجمع ضخم للأمن القومي بشكل مخيف، يعمل فيه اليوم ما يقرب من مليون موظف خضعوا لتدقيق أمني كبير قبل تعيينهم، الأمر الذي أدى إلى تآكل خطير للحريات المدنية التي تعتبر كنزا ثمينا في أميركا، بل وتسبب ذلك في أن تصبح وكالة المخابرات المركزية «سي.آي. إي.»؛ منظمة شبه عسكرية همها الأساس عمليات اغتيال خارج نطاق القضاء كما هو الحال مع سياستها التقليدية في جمع المعلومات الاستخبارية، ودفعت بالرئيس «أوباما» إلى الاعتماد على الضربات الصاروخية من طائرات بدون طيار والتي إضافة إلى قتلها لمقاتلين إسلاميين في بعض الأحيان تؤدي إلى قتل عدد أكبر من ذلك بكثير من المدنيين الأبرياء، كما أثارت عداء شرسا للولايات المتحدة. ويُعتقد على نطاق واسع أن غارات الطائرات بدون طيار تؤدي إلى تجنيد مقاتلين أكثر بكثير مما تقتل من هؤلاء. تقول باربرا بودين التي شغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى اليمن 2011-1997 : «إن الهجمات بطائرات بدون طيار؛ تضر بكل تأكيد أكثر بكثير مما تنفع».
لقد جرى النظر بعمق في جميع هذه الموضوعات وغيرها بالتفصيل في كتاب مهم ألفه «فواز جرجس» ، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والعلاقات الدولية في كلية الاقتصاد في لندن بعنوان «صعود وسقوط تنظيم القاعدة» (مطبعة جامعة أكسفورد).
وأعتقد أن قراءة هذا الكتاب في البيت البيض أمر ضروري ومطلوب، والنقد اللاذع الذي يتضمنه للسياسات الأمنية الأمريكية يجب أن يشكل دافعا للمسؤولين الأمريكيين وللسياسيين حتى يغيروا المسار .
ولا بد لي هنا من الإعلان عن اهتمامي الشخصي بالموضوع. وأنا أوصي بشدة بضرورة قراءة هذا الكتاب لأنه يعبر بشكل أفضل مما كنت قد فعلت عن العديد من الأفكار التي كنت قد قدمتها في مقالاتي على مر السنين. وتتلخص الفكرة الأساسية التي يعرضها البروفيسور جرجس في كتابه في أن تنظيم القاعدة ليس بأي حال من الأحوال الخطر الاستراتيجي الذي يشكل تهديدا وجوديا كما يتحدث عن ذلك خبراء الإرهاب. إنها منظمة صغيرة، ضعيفة التنظيم مع أهداف تكتيكية محدودة، ولا تتعدى كونها أكثر من «مصدر إزعاج أمني عن كونها تشكل تهديداً استراتيجياً» ، والأرقام التي تؤيد ذلك لافتة للنظر. ففي أوج قوتها في أواخر التسعينيات كانت القاعدة تتألف من ثلاثة آلاف إلى أربعة آلف مسلح. ولكن هذا العدد تقلص اليوم في صفوفها ليصبح 300 مسلح إن لم يكن أقل من ذلك. وفي أفغانستان اليوم لا وجود من الناحية العملية للتنظيم هناك. إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تحارب هناك تنظيما آخرهو طالبان، وهو تنظيم أفغاني مقاوم، مما يجعل الجيش الأمريكي هناك جيش احتلال بشكل واضح.
والخطأ الذي ما تزال ترتكبه الولايات المتحدة في أفغانستان هو ربط حركة طالبان بتنظيم القاعدة، ورفض أي نوع من الفصل بينهما. مع أنهما في الحقيقة مختلفان جداً عن بعضهما البعض. فطالبان عبارة عن قوة محلية مشكلة أساساً من البشتون مهمتها حماية التقاليد القبلية والإسلامية في البلاد وتخليصها من الأجانب. في حين أن القاعدة تطمح أو كانت على الأقل في أوج قوتها تطمح إلى أن تكون حركة جهادية عابرة للحدود. واليمن هو بلد آخر حيث يُقال عادة إن تنظيم القاعدة يُشكل فيه تهديداً استراتيجياً رئيسياً ولكن، كما يقول «جرجس» في كتابه، فإن تنظيم القاعدة قد تشكل في شبه الجزيرة العربية بعد اندماج فرعي السعودية واليمن في العام 2009، ويتراوح عدد عناصره الأساسية ما بين 50 و300، معظمهم مبتدئون ونصف متعلمون، ولا يملكون خبرة قتالية كافية .
وحتى الآن، وبعد مرورعقد من الزمن على وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر، لا تزال المبالغة في رد الفعل السمة المميزة لحرب الولايات المتحدة على الإرهاب. وتتم تغذية الأميركيين والغربيين على نظام دائم من السيناريوهات الكارثية وتكتيكات التخويف.
ونتيجة لذلك، كما يقول «جرجس»، تملك الأميركيين خوف مبالغ فيه من الإرهاب. وأوباما نفسه صدق « سيناريو يوم القيامة» (الآبوكاليبس) الذي قدمه فريقه للأمن القومي». إن رد فعل أمريكا هذا مبالغ فيه ويوفر لتنظيم القاعدة أوكسجين الاستمرار في الحياة. والخوف من الإرهاب لا يستحوذ على مخيلة الأمريكيين كشعب فقط، بل يحرك أيضاً سياسة حكومتهم. ولكن كل هذه الحرب على الإرهاب في الواقع، كما يقول «جرجس»، تساعد في إضفاء الشرعية على فكر القاعدة الفاشل، وعلى توسيع دائرة أعداء الغرب في جميع أنحاء العالم .
وفي العالم الإسلامي بأسره في العراق واليمن وفلسطين ولبنان والسعودية والمغرب العربي، وفي إندونيسيا وأماكن أخرى يواجه تنظيم القاعدة الآن حالة عدائية مع تناقص أعداد المجندين في صفوفه، كما أنه أصبح لا يجد أماكن تؤويه. وبات المسلمون العاديون ينضمون إلى السلطات المحلية في ملاحقة وطرد تنظيم القاعدة بعيداً عن أحيائهم وعن شوارعهم. وقد حاولت القاعدة في جزيرة العرب تنفيذ أعمال إرهابية قليلة مثل الهجوم على الأمير محمد بن نايف رئيس مكافحة الإرهاب في السعودية، وعملية تفجير متجرالملابس الداخلية الفاشلة، والمهاجم المفترض في مترو نيويورك ، والعملية التي تم إحباطها في «تايمز سكوير» في نيويورك ولكن التركيز الحقيقي للقاعدة يبقى على الصعيد المحلي. ففي اليمن، على سبيل المثال، يحاول التنظيم استغلال علاقاته القبلية لكسب موطئ قدم له في الحركة الانفصالية الجنوبية التي تشكل واحدة من عدة حركات تمرد تهدد النظام. وتبقى هذه أولاً وقبل كل شيء مشكلة يمنية يجب معالجتها من الداخل.
ويستشهد «جرجس» بحادثتين من بين عدة حوادث ألهبت الرأي العام اليمني ضد الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» وحلفائه الأمريكيين . الأولى حصلت في شهر دجنبر 2009 عندما أطلقت سفينة من البحرية الأمريكية باتجاه ساحل اليمن صاروخ كروز مزدوج يحمل قنابل عنقودية على ما كان يُعتقد أنه معسكر تدريب للقاعدة. وبدلاً من ذلك، قتلت الضربة 41 فردا من عائلة يمنية هي عائلة حيدرة في خيامهم . وفي شهر ماي 2010 ، قتل صاروخ كروز أمريكي جابر الشبواني نائب محافظ مأرب وأربعة من مرافقيه بينما كانوا في طريقهم لإقناع المسلحين بالتخلي عن أسلحتهم. وخلفت هذه الهجمات ورائها شعوراً بالصدمة في صفوف نظام الحليف صالح قوض شرعيته في نظر القبائل والشعب اليمني بوجه عام. وقام صالح في وقت لاحق بدفع الدية لأسرة الشبواني لتجنب وقوع حمام دم .
وكان من الممكن أن يضيف «جرجس» في كتابه أنه في يوم 17 مارس من العام 2011، قتلت طائرة أمريكية بدون طيار أربعين شخصاً في باكستان شكلت ضربة للعلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان وليس معروفاً عدد المدنيين من هؤلاء الضحايا الأربعين. وعبر اليمنيون، من بين كل العرب، عن أقوى المشاعر المعادية للولايات المتحدة. ومثل هذه الحوادث تثير أيضا ردود فعل غاضبة بين عشرات الشبان المسلمين المحبطين والخائبين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية. وبدلاً من أن تقوم بالاستثمار في التنمية الاقتصادية والحكم الرشيد في اليمن، أهدرت الولايات المتحدة الموارد الثمينة في مكافحة تنظيم القاعدة. ففي عام 2010، على سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة إلى اليمن 250 مليون دولار لمحاربة تنظيم القاعدة، ومبلغ 42 مليون دولار فقط للتنمية والمساعدات الإنسانية. بينما كان من المفترض عكس هذه الأرقام.
والآن ما الذي يمكن فعله؟ يعتقد «جرجس» أن المؤامرات ضد المجتمعات الغربية ستتواصل ما دامت الولايات المتحدة ماضية في خوض حربين في الأراضي الإسلامية. وتكمن جذور الكثير من المؤامرات الإرهابية الداخلية الأخيرة في النزاعات المحتدمة في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال وأماكن أخرى. وكلما أطالت الولايات المتحدة من مدة الحرب على الإرهاب في أفغانستان وباكستان، كلما أصبح التهديد أكثر وأكثر دواماً. وسيكون انزلاق باكستان إلى حالة من الفوضى كارثة أكبر بكثير على المصالح الأميركية والاستقرار في المنطقة من الفوضى الحالية في أفغانستان. هناك إذن حاجة ماسة لتسريع انسحاب القوات الغربية، وخصوصاً الأمريكية، من الأراضي الإسلامية .
وأخيراً ، ما هي التوصيات الأخرى التي توصل إليها البروفيسور «جرجس» في كتابه؟
الأولى: يجب على صناع القرار في الولايات المتحدة إنهاء هذه الحرب على الإرهاب .
الثانية: يجب تضافر الجهود لكشف زيف رواية الإرهاب، ووضع حد لاستحواذ القاعدة على مخيلة الأمريكيين.
الثالثة: يجب على الولايات المتحدة التوقف عن النظر إلى العالم العربي والإسلامي من منظور الإرهاب، ومن وجهة نظر (إسرائيلية)، ومن منظور النفط.
باتريك سيل
«ذي أوبسيرفر» عدد يوم الجمعة 11 نونبر2011
- وأدت الحرب على الإرهاب أيضاً بالولايات المتحدة إلى إنشاء مجمع ضخم للأمن القومي بشكل مخيف، يعمل فيه اليوم ما يقرب من مليون موظف خضعوا لتدقيق أمني كبير قبل تعيينهم، الأمر الذي أدى إلى تآكل خطير للحريات المدنية التي تعتبر كنزا ثمينا في أميركا، بل وتسبب ذلك في أن تصبح وكالة المخابرات المركزية «سي.آي. إي.»؛ منظمة شبه عسكرية همها الأساس عمليات اغتيال خارج نطاق القضاء كما هو الحال مع سياستها التقليدية في جمع المعلومات الاستخبارية، ودفعت بالرئيس «أوباما» إلى الاعتماد على الضربات الصاروخية من طائرات بدون طيار والتي إضافة إلى قتلها لمقاتلين إسلاميين في بعض الأحيان تؤدي إلى قتل عدد أكبر من ذلك بكثير من المدنيين الأبرياء، كما أثارت عداء شرسا للولايات المتحدة. ويُعتقد على نطاق واسع أن غارات الطائرات بدون طيار تؤدي إلى تجنيد مقاتلين أكثر بكثير مما تقتل من هؤلاء. تقول باربرا بودين التي شغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى اليمن 2011-1997 : «إن الهجمات بطائرات بدون طيار؛ تضر بكل تأكيد أكثر بكثير مما تنفع».
لقد جرى النظر بعمق في جميع هذه الموضوعات وغيرها بالتفصيل في كتاب مهم ألفه «فواز جرجس» ، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والعلاقات الدولية في كلية الاقتصاد في لندن بعنوان «صعود وسقوط تنظيم القاعدة» (مطبعة جامعة أكسفورد).
وأعتقد أن قراءة هذا الكتاب في البيت البيض أمر ضروري ومطلوب، والنقد اللاذع الذي يتضمنه للسياسات الأمنية الأمريكية يجب أن يشكل دافعا للمسؤولين الأمريكيين وللسياسيين حتى يغيروا المسار .
ولا بد لي هنا من الإعلان عن اهتمامي الشخصي بالموضوع. وأنا أوصي بشدة بضرورة قراءة هذا الكتاب لأنه يعبر بشكل أفضل مما كنت قد فعلت عن العديد من الأفكار التي كنت قد قدمتها في مقالاتي على مر السنين. وتتلخص الفكرة الأساسية التي يعرضها البروفيسور جرجس في كتابه في أن تنظيم القاعدة ليس بأي حال من الأحوال الخطر الاستراتيجي الذي يشكل تهديدا وجوديا كما يتحدث عن ذلك خبراء الإرهاب. إنها منظمة صغيرة، ضعيفة التنظيم مع أهداف تكتيكية محدودة، ولا تتعدى كونها أكثر من «مصدر إزعاج أمني عن كونها تشكل تهديداً استراتيجياً» ، والأرقام التي تؤيد ذلك لافتة للنظر. ففي أوج قوتها في أواخر التسعينيات كانت القاعدة تتألف من ثلاثة آلاف إلى أربعة آلف مسلح. ولكن هذا العدد تقلص اليوم في صفوفها ليصبح 300 مسلح إن لم يكن أقل من ذلك. وفي أفغانستان اليوم لا وجود من الناحية العملية للتنظيم هناك. إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تحارب هناك تنظيما آخرهو طالبان، وهو تنظيم أفغاني مقاوم، مما يجعل الجيش الأمريكي هناك جيش احتلال بشكل واضح.
والخطأ الذي ما تزال ترتكبه الولايات المتحدة في أفغانستان هو ربط حركة طالبان بتنظيم القاعدة، ورفض أي نوع من الفصل بينهما. مع أنهما في الحقيقة مختلفان جداً عن بعضهما البعض. فطالبان عبارة عن قوة محلية مشكلة أساساً من البشتون مهمتها حماية التقاليد القبلية والإسلامية في البلاد وتخليصها من الأجانب. في حين أن القاعدة تطمح أو كانت على الأقل في أوج قوتها تطمح إلى أن تكون حركة جهادية عابرة للحدود. واليمن هو بلد آخر حيث يُقال عادة إن تنظيم القاعدة يُشكل فيه تهديداً استراتيجياً رئيسياً ولكن، كما يقول «جرجس» في كتابه، فإن تنظيم القاعدة قد تشكل في شبه الجزيرة العربية بعد اندماج فرعي السعودية واليمن في العام 2009، ويتراوح عدد عناصره الأساسية ما بين 50 و300، معظمهم مبتدئون ونصف متعلمون، ولا يملكون خبرة قتالية كافية .
وحتى الآن، وبعد مرورعقد من الزمن على وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر، لا تزال المبالغة في رد الفعل السمة المميزة لحرب الولايات المتحدة على الإرهاب. وتتم تغذية الأميركيين والغربيين على نظام دائم من السيناريوهات الكارثية وتكتيكات التخويف.
ونتيجة لذلك، كما يقول «جرجس»، تملك الأميركيين خوف مبالغ فيه من الإرهاب. وأوباما نفسه صدق « سيناريو يوم القيامة» (الآبوكاليبس) الذي قدمه فريقه للأمن القومي». إن رد فعل أمريكا هذا مبالغ فيه ويوفر لتنظيم القاعدة أوكسجين الاستمرار في الحياة. والخوف من الإرهاب لا يستحوذ على مخيلة الأمريكيين كشعب فقط، بل يحرك أيضاً سياسة حكومتهم. ولكن كل هذه الحرب على الإرهاب في الواقع، كما يقول «جرجس»، تساعد في إضفاء الشرعية على فكر القاعدة الفاشل، وعلى توسيع دائرة أعداء الغرب في جميع أنحاء العالم .
وفي العالم الإسلامي بأسره في العراق واليمن وفلسطين ولبنان والسعودية والمغرب العربي، وفي إندونيسيا وأماكن أخرى يواجه تنظيم القاعدة الآن حالة عدائية مع تناقص أعداد المجندين في صفوفه، كما أنه أصبح لا يجد أماكن تؤويه. وبات المسلمون العاديون ينضمون إلى السلطات المحلية في ملاحقة وطرد تنظيم القاعدة بعيداً عن أحيائهم وعن شوارعهم. وقد حاولت القاعدة في جزيرة العرب تنفيذ أعمال إرهابية قليلة مثل الهجوم على الأمير محمد بن نايف رئيس مكافحة الإرهاب في السعودية، وعملية تفجير متجرالملابس الداخلية الفاشلة، والمهاجم المفترض في مترو نيويورك ، والعملية التي تم إحباطها في «تايمز سكوير» في نيويورك ولكن التركيز الحقيقي للقاعدة يبقى على الصعيد المحلي. ففي اليمن، على سبيل المثال، يحاول التنظيم استغلال علاقاته القبلية لكسب موطئ قدم له في الحركة الانفصالية الجنوبية التي تشكل واحدة من عدة حركات تمرد تهدد النظام. وتبقى هذه أولاً وقبل كل شيء مشكلة يمنية يجب معالجتها من الداخل.
ويستشهد «جرجس» بحادثتين من بين عدة حوادث ألهبت الرأي العام اليمني ضد الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» وحلفائه الأمريكيين . الأولى حصلت في شهر دجنبر 2009 عندما أطلقت سفينة من البحرية الأمريكية باتجاه ساحل اليمن صاروخ كروز مزدوج يحمل قنابل عنقودية على ما كان يُعتقد أنه معسكر تدريب للقاعدة. وبدلاً من ذلك، قتلت الضربة 41 فردا من عائلة يمنية هي عائلة حيدرة في خيامهم . وفي شهر ماي 2010 ، قتل صاروخ كروز أمريكي جابر الشبواني نائب محافظ مأرب وأربعة من مرافقيه بينما كانوا في طريقهم لإقناع المسلحين بالتخلي عن أسلحتهم. وخلفت هذه الهجمات ورائها شعوراً بالصدمة في صفوف نظام الحليف صالح قوض شرعيته في نظر القبائل والشعب اليمني بوجه عام. وقام صالح في وقت لاحق بدفع الدية لأسرة الشبواني لتجنب وقوع حمام دم .
وكان من الممكن أن يضيف «جرجس» في كتابه أنه في يوم 17 مارس من العام 2011، قتلت طائرة أمريكية بدون طيار أربعين شخصاً في باكستان شكلت ضربة للعلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان وليس معروفاً عدد المدنيين من هؤلاء الضحايا الأربعين. وعبر اليمنيون، من بين كل العرب، عن أقوى المشاعر المعادية للولايات المتحدة. ومثل هذه الحوادث تثير أيضا ردود فعل غاضبة بين عشرات الشبان المسلمين المحبطين والخائبين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية. وبدلاً من أن تقوم بالاستثمار في التنمية الاقتصادية والحكم الرشيد في اليمن، أهدرت الولايات المتحدة الموارد الثمينة في مكافحة تنظيم القاعدة. ففي عام 2010، على سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة إلى اليمن 250 مليون دولار لمحاربة تنظيم القاعدة، ومبلغ 42 مليون دولار فقط للتنمية والمساعدات الإنسانية. بينما كان من المفترض عكس هذه الأرقام.
والآن ما الذي يمكن فعله؟ يعتقد «جرجس» أن المؤامرات ضد المجتمعات الغربية ستتواصل ما دامت الولايات المتحدة ماضية في خوض حربين في الأراضي الإسلامية. وتكمن جذور الكثير من المؤامرات الإرهابية الداخلية الأخيرة في النزاعات المحتدمة في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال وأماكن أخرى. وكلما أطالت الولايات المتحدة من مدة الحرب على الإرهاب في أفغانستان وباكستان، كلما أصبح التهديد أكثر وأكثر دواماً. وسيكون انزلاق باكستان إلى حالة من الفوضى كارثة أكبر بكثير على المصالح الأميركية والاستقرار في المنطقة من الفوضى الحالية في أفغانستان. هناك إذن حاجة ماسة لتسريع انسحاب القوات الغربية، وخصوصاً الأمريكية، من الأراضي الإسلامية .
وأخيراً ، ما هي التوصيات الأخرى التي توصل إليها البروفيسور «جرجس» في كتابه؟
الأولى: يجب على صناع القرار في الولايات المتحدة إنهاء هذه الحرب على الإرهاب .
الثانية: يجب تضافر الجهود لكشف زيف رواية الإرهاب، ووضع حد لاستحواذ القاعدة على مخيلة الأمريكيين.
الثالثة: يجب على الولايات المتحدة التوقف عن النظر إلى العالم العربي والإسلامي من منظور الإرهاب، ومن وجهة نظر (إسرائيلية)، ومن منظور النفط.
باتريك سيل
«ذي أوبسيرفر» عدد يوم الجمعة 11 نونبر2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق