الخميس، 14 مارس 2013

«الكيانيّة» التي كانت اختصاصاً لبنانياً باتت تضرب المشرق جميعاً

«الكيانيّة» التي كانت اختصاصاً لبنانياً باتت تضرب المشرق جميعاً، والطائفية أنجبت المذهبية، ومن لم تطارده آلة تعذيب الأجهزة والأنظمة ولم تدسه الجزم العسكرية، لاحقته شرور التكفير والتصنيف التي قسّمت الشعب الى مؤمنين وملحدين. الغيوم السوداء المنذرة بالعواصف تغطّي سماء الغد. صارت مدن الشرق وحاضراته مسرحاً لمصادمات طائفية ومذهبية تدمّر تاريخها وذاكرتها، وتفتك بأبنائها على الهويّة، وتهدم الدول، وتفتح الأبواب للتدخّل الأجنبي، وتمنح الأعداء موسم أعياد لا تنتهي.  هل نحن في طريق العودة إلى دويلات الطوائف؟ هل دخلنا زمن الفوضى الخلاّقة التي بشرّتنا به كوندوليزا رايس؟ هل انتهى مفعول «سايكس ـ بيكو»، ونذهب نحو تجزئة المجزّأ بدل توحيد الموحّد؟  الأكيد أن سورية التي كنّا نعرفها ذهبت الى غير رجعة؛ والعراق يغرق في مستنقع الطائفية والتشرذم وتبديد الثروة؛ ومصر هرم كبير مقلوب رأساً على عقب قمّته في التراب وقاعدته في الهواء؛ والسودان في خبر كان؛ وليبيا من جحيم القائد الى جحيم الفوضى وعدم وجود أساس دولة أو قائد لها؛ واليمن يسترجع أيام التقسيم؛ ولبنان والأردن والبحرين يعيشون القلق اليومي من الآتي الذي يخافون أن يكون أعظم. بات من الطبيعي أن تسأل الشعوب الى أين ستقودنا الثوارات العربية؟ أليس من الممكن أن تودي بالمجتمعات إلى أوضاع أكثر سوءاً من تلك التي ثارت عليها؟ أليس ثمّة احتمال أو حتى احتمالات أن تقودنا هذه الفوضى إلى اتّـجاهات مدمّرة أو مجهولة، بعيداً من طموحات الحرّيّة والكرامة والعدالة التي أسّست لكل الثورات وكانت منطلقَها؟ ألا يتربّص أصوليون يتنافسون في التطرّف بعضهم على بعض، للسيطرة على مجتمعات ما بعد الثورة وإقحامها في عصور مظلمة؟ التخوّفات تلك، وربما غيرها كثير، مشروعةٌ. ليس ثمّة ضمانات مسبقة على المستقبل، لكن في المفاضلة بين التغيير والحياة التي بعثت من جديد في نفوس الشعوب، وبين الموت البطيء الذي فرضته الأنظمة التوتاليتارية بتصحيرها دولها بعد الأرض، يجب الانحياز إلى التغيير. إنها المرحلة التي لا بد لمجتمعاتنا من أن تمرّ فيها حتى تنتقل إلى مرحلة النضج والتأسيس والاجتماع الصحّي. إذا بقينا نخاف من القيام بهذه النقلة بسبب أكلافها التي لا مناص منها، معنى ذلك أننا سوف نبقى نغوص في مستنقعاتنا الى الأبد. لذلك، فإن الانحياز الى الثورات العربية، على رغم كل ما فيها من اختلالات، ومغامرات، ومخاطر، هو انحياز الى إرادة المستقبل على الماضي المحنّط، وعلى الحاضر المستنقعي أيضاً.. انحياز الى الحرّيّة والكرامة ضد الاستبداد والذلّ المستديم، وإسقاط أنظمة الاستبداد هو الشوط الأسهل، على رغم صعوبته، وأحياناً دمويّته وأكلافه الهائلة، في مسيرة بناء مجتمعات ديمقراطية وصحّيّة وفاعلة. الشوط الأكثر صعوبة هو عملية التأسيس والبناء بعد عقود الخراب الطويل. الانحياز هنا يعني الاصطفاف مع التغيير ضد رتابة التكلّس وجمود الأوضاع الآسنة. لكن الى أين سيأخذنا التغيير؟ وكيف؟ وفي أي اتّـجاه سيشقّ مسيرته؟... كلّها أسئلة معلّقة برسم: كيف سيعمل المعنيّون بالتغيير والذين لهم مصلحة أكيدة فيه، على تحويل الى تغيير إيجابي مهما كانت التضحيات، لأن مستقبل الشعوب يستحقّ ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق