الخميس، 14 مارس 2013

ازمة اللاجئين

 
لا يمكن قراءة الهواجس الدرامية التي كشفها رئيس الوزراء الاردني عبدالله النسور وهو يتحدث عن الوضع الكارثي المتوقع في سورية خارج سياق السيناريوهات التي تفاعلت بسرعة تحت عناوين العلاقة المتأزمة بين المملكة وجارتها سورية خصوصا بعد الحراك المهم اقليميا ودوليا للملك عبد الله الثاني.
النسور فاجأ جميع الاوساط بمصارحاته عندما كشف عن توقع بلاده استقبال مليوني لاجىء سوري من اربعة ملايين عندما تدخل سورية نطاق ما اسماه بالكارثة العالمية والاقليمية مشددا على ان هذا الجمع من اللاجئين سيعمل على 'تأزيم' الوضع الداخلي الاردني.
الكلام بطبيعة الحال مدروس بعناية وعميق خصوصا عندما يصدر عن لاعب بحجم النسور في موقع رئيس وزراء مرحلة صعبة للغاية وفي الوقت الذي تتفاعل فيه كيمياء الاتصالات بين قصر رغدان والقصر الجمهوري في دمشق على حد تعبير المحلل الاستراتيجي المتخصص بالملف السوري الدكتور عامر سبايله.
لكن السؤال: لماذا يكشف النسور عن هذه المعطيات؟
الاجابة متاحة عندما يتعلق الامر بالمؤشرات المعلوماتية الناشطة التي تدفع مؤسسة الامن الاردنية لاتخاذ اقصى طاقات الجاهزية والانذار وهي تضع كل امكاناتها خلف مراقبة الاوضاع الامنية المسترسلة داخل مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذي بدأ يصدر 'المشكلات' لخارجه وتطور كمنطقة مستعصية امنيا تحتاج للمزيد من الجهد.
عمليا وطوال اليومين الماضيين كانت المؤسسة الاردنية في اقصى طاقات الاستنفار وهي تراقب احداث مخيم عين الحلوة في لبنان وسط انباء ومعلومات لم تتأكد رسميا عن اكتشاف نحو 50 وثيقة سورية 'مزورة' بايدي لاجئين دخلوا فعلا مخيم الزعتري وتبين بان بعضهم ليس سوريا من حيث المبدأ.
لا يخفي الاردنيون ولكن وراء الستارة استمرار مخاوفهم من وجود 'خلايا نائمة' تتبع اجهزة سورية منفلتة او فقدت السيطرة بين اللاجئين.
ولا تخفي الاجهزة الحكومية بالوقت نفسه وجود مخاوف من اعادة تصدير خلايا تابعة لجبهة النصرة الى عمق الاراضي الاردنية خصوصا في ظل وجود اسناد عقائدي ولوجستي صلب لجبهة النصرة في الاردن عبر التيار السلفي الجهادي الذي يقيم علنا في عمان واوساط مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ما يسميه الجهاديون بـ'عرس شهيد' تكريما للاردنيين الذين يسقطون في سورية وهم يقاتلون النظام العلوي الصفوي الظالم على حد تعير الناشط محمد حديد.
السيناريو الاكثر رعبا في السياق والتي تؤكد مصادر القدس العربي بان الدولة الاردنية تراقبه بهوس هو احتمالات بروز 'تشبيك' بين نشطاء في السلفية الجهادية وبين اوساط المخيمات الفلسطينية في الاردن والتي تعتبر رافدا قويا مع بعض مناطق الجنوب الاردنية لاكثر من 250 جهاديا اردنيا يشاركون في صفوف القتال ضد بشار الاسد في سورية حسب ما قال القيادي في التيار السلفي ابو سياف لـ'القدس العربي'.
لذلك اهتمت عمان بما حصل بمخيم عين الحلوة وهو مشهد يؤكد الدكتور سبايله على وجوب قراءته جيدا لدراسة دائرة الخيارات في اطار توقع كلفة الحراك الاردني الدولي والاقليمي الذي يحاول اسناد سيناريو 'تسوية سياسية كبرى' في سورية.
سبايلة يلمح لان الحركة الاردنية التي بدأها الملك عبد الله الثاني في موسكو ثم دول الخليج وتركيا 'لا تعجب كل الاطراف'.. بالتالي الفرصة متاحة لتحمل كلفة ردود فعل الاطراف الاقليمية والدولية وحتى السورية التي ترى في الحراك الاردني مساسا بمصالحها او تعاكسا مع اتجاهاتها.
دبلوماسي عريق في الخارجية الاردنية قال لـ'القدس العربي': ثمة جهات غاضبة واخرى مرتابة بالحراك الاردني، واضاف: فرنسا مثلا تشكو من انها ليست على اطلاع على ما نفعله وسفارة بريطانيا تستفسر وجبهة النصرة تتوقع جهدا اردنيا مضادا لها في درعا قريبا وقطر ترى بان الاتجاه الاردني في الموضوع السوري يناكفها وكذلك تركيا.
فيما يخص جبهة النصرة يستبعد ابو سياف 'محمد شلبي' تطور الامور ويلمح وهو يتحدث لـ'القدس العربي' لان قواعد اللعبة لم تتغير بعد مع السلطات المحلية مستبعدا حصول مواجهة مع جبهة النصرة مؤكدا: لم نلمس اي تغيير في هذا الاتجاه حتى اللحظة.
لكن جبهة النصرة ليست نقطة النهاية للمخاوف الاردنية المتعلقة بسورية فقد لوحظ بان خطوط الطيران الملكية بدلت مسارها الجوي بين عمان وبيروت فبعدما كان يمر عبر دمشق اصبح يتجه جنوبا نحو مصر ثم الساحل الفلسطيني فبيروت ومثل هذا الاجراء يؤشر على هاجس الانفلات الامني في القياسات الاردنية وهو هاجس بدا يتحدث عنه النسور بوضوح وشفافية مؤخرا.
بالسياق رصد سبايله في مدونته الخاصة النشاط المفاجىء الذي اظهرته صحف عالمية مؤخرا في كرواتيا وبريطانيا والمانيا وفرنسا وهي تتحدث عن دور اردني في تسليح وتدريب قوات المعارضة السورية وهو نشاط يعيده سبايلة لمبدأ 'الحركة الاردنية لا تعجب بعض الاطراف'.
انطلاقا من هذه الزاوية يفترض بعض المحللين بان اللغة 'الدرامية' التي ظهرت على لسان النسور وهو يتحدث عن مليوني لاجىء وتأزيم داخلي واستحالة اغلاق الحدود والكارثة المقبلة في سورية لها اهداف تكتيكية على اساس انها تمهد لشيء ما.
الهدف المرشح اكثر من غيره في اطار نظرية سياسية متكاملة يتداولها البعض وراء الكواليس هو احتمالات عودة سيناريو المنطقة العازلة شمالي الاردن وجنوبي سورية وبالتالي التعمق والتوغل الاردني في الاراضي السورية لمبررات ودواع امنية وانسانية وبغطاء دولي وباتفاق ضمني مع روسيا والرئيس بشار الاسد.
هذا حصريا يعني بان النسور يمهد لمثل هذا التحول الكبير على اعتبار وجود مكون اجتماعي وعشائري وجغرافي واحد عمليا في بيئة متسقة باسم سهل حوران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق