في جمهورية ابو علي الصليبي كل البيوت نهبت
واحتلها القناصة.. لا ثورة بدون عنف واهالي حلب كانوا بحاجة لمن يجرهم
للحرب
روسيا الكافرة المجرمة تطالب بالتفاوض كحل للازمة السورية والمعارضة
تطالبها بالاعتذار، الابراهيمي يحذر من انزلاق سورية نحو 'الجحيم' وولادة
صومال جديدة، والرئيس الاسد مصر على البقاء للدفاع عن نظامه، المسألة
السورية تتعلق باختلاف الطرفين في تحليل الوضع، فكلاهما يعتقد انه سينتصر
في النهاية، النظام سيسحق 'الارهابيين' والمعارضة ستطيح بالنظام 'اللاشرعي'
الذي يحكم سورية منذ اربعين عاما.
كل هذا التقييم لا يعني ان النظام ليس راحلا عاجلا ام آجلا، فالحرب تقترب من قصر الرئيس بعد ان كانت في بداية العام الحالي اشتباكات في الشمال. وقد اثرت المواجهات في العاصمة التجارية حلب، ودمشق العاصمة السياسية على وضعية الاسد النفسية الذي لا يرى الا في الصور وهو يستقبل الزوار القلائل الذين يزورون القصر لاخراجه من ورطته. فهو في عزلة عن العالم وعن نفسه، يرى ان الخيارات تضيق امامه كل يوم، فـ'امل سورية' يفقد الامل في نفسه ويحكم بلدا تأكله الحرب الاهلية التي تأخذ كل يوم بعدا طائفيا، ولا احد يعرف الطريقة التي يفكر بها الاسد الا نفسه والمحيطون به. ولهذا يشير تقرير لصحيفة 'واشنطن بوست' نقلته ايضا صحيفة 'اندبندنت اون صندي' قالت فيه ان الرئيس معزول ويخشى على نظامه حيث نالت حرب العامين الماضيين منه واثرت على نفسيته. وقالت ان الاسد اختفى كليا عن النظر العام وتوقف عن لقاء الاعلام، بعد خسارة حكومته في الاشهر الاخيرة الكثير وتقدم المقاتلين الى العاصمة.
الوضع يتغير بسرعة
وبنت الصحيفة تقريرها على معلومات لم يتم التأكد من صحتها ونقلتها عن مسؤولين امريكيين وفي المنطقة الذين قالوا ان الاسد قيد اتصالاته بدائرة صغيرة من عائلته ومستشاريه الثقات، حيث تخلى عن اية جهود لحشد الدعم الشعبي خلف نظامه المتداعي واخذ يركز على سلامته الشخصية. فيما قالت معلومات اخرى نقلتها عن مسؤولين امنيين في المنطقة ونقلت عن معارضين انشقوا عن نظامه وقالوا ان الاسد توقف عن الخروج من القصر في ساعات النهار خوفا من تعرضه لاطلاق نار او ان تصيبه رصاصة قناص، وهذه المعلومات لم يتم ايضا التأكد من صحتها.
ونقلت عن مسؤول شرق اوسطي قوله ان تحركات الرئيس تظهر انه يعيش حالة من الخوف الدائم.
وعلى خلاف هذه المعلومات فالاسد لم يظهر اي لين في موقفه، ففي اخر خطاب متلفز له اكد انه سيعيش وسيموت في دمشق، ووصف مرافقون للاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي لسورية الرئيس الاسد بأنه ظهر بصورة الواثق المستعد لمواصلة المعركة.
وفي ضوء رفض المعارضة للجهود الدبلوماسية والمقترحات التي طرحها الاخضر الابراهيمي على المعارضة وارسال الحكومة السورية وفدا لموسكو كي يطلع الروس على الوضع ومحاولة التفاوض حول وقف لاطلاق النار، الا ان المسؤولين في واشنطن والعواصم الغربية يعولون قليلا على الجهود الدبلوماسية، خاصة ان المعارضة الآن ليست في مزاج للتفاوض وتعتقد انها قادرة على تحقيق انتصار حاسم على النظام. فبحسب مسؤول في الامم المتحدة مقيم في المنطقة قال ان الوضع يتحرك بسرعة، والوضع على الارض سيحل المشكلة حتى قبل ان يتم ترتيبها في مجلس الامن او العواصم. ويقول مسؤول امريكي مطلع على تقارير الاستخبارات عن حالة النظام الداخلية، ان الاسد لا يزال يعتقد انه يحكم سورية لكن الحرب تركت اثارها النفسية عليه، خاصة انه يواجه خصما عنيدا وذكيا.
ويرى المسؤولون الامريكيون ان حس العزلة داخل القصر الجمهوري تعززت من خلال الانشقاقات الاخيرة، انشقاق قائد الشرطة العسكرية، عبدالعزيز جاسم الشلال، وقبله المتحدث باسم وزارة الخارجية جهاد مقدسي، مع انه لم تحدث انشقاقات واسعة داخل النخبة العلوية التي تحيط به وتحمي نظامه.
الخوف على السلامة الشخصية
ويعتقد المحللون ان الخوف على السلامة الشخصية تعزز بعد هجوم تموز (يوليو) على مقر الامن القومي الذي ادى لمقتل ثلاثة من اعمدة النظام، ومنذ ذلك الحادث والنظام يخسر مواقع، حيث خسر السيطرة على معظم مناطق سورية. واثر تعدد الجبهات على قدرة الجيش السوري على القتال، وتقول معلومات ان الجيش يخسر كل شهر حوالي الف من جنوده، فيما لم تعد الوحدات الخاصة قادرة على شن هجمات قوية ضد المقاتلين. وبناء عليه يعتقد المحللون العسكريون ان الجيش سيضعف خلال الاسابيع القادمة.
ورغم التحليلات التي تتحدث عن قرب انهيار النظام الا ان النخبة المحيطة بالاسد لا زالت قوية قوة 'حبة الجوز' التي لا يبدو انها في مزاح الاستسلام. ويرى المسؤولون الامريكيون ان تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاسبوع الماضي التي قال فيها ان موسكو ليست مهتمة بمصير الاسد، ربما تكون ضربة نفسية للاسد خاصة ان روسيا هي الداعم والحامي الاخير لنظامه اضافة لايران التي يظهر تقرير صحافي انها تعيد النظر في خياراتها. ويقول مسؤول شرق اوسطي ان تراجع الدعم الروسي للاسد ادى لشعور داخل النظام ان 'السفينة تغرق'.
ايران ستغير موقفها
ففي طهران مثل موسكو يجري نقاش مستمر حول المدى الذي ستذهب اليه الحكومة الايرانية في دعم نظام بشار الاسد. وبحسب تقدير محللين وسياسيين ايرانيين فالموقف الايراني المعلن هو ان الاسد لا يزال مسيطرا على الوضع، ولا يزالون يستقبلون مبعوثي النظام، فيما يستمر فيه المرشد الروحي للثورة، علي خامنئي باتهام اسرائيل وامريكا والدول الغربية بالتآمر على نظام الاسد. ولكن الانهيار البطيء لنظام الاسد يعمل على تقسيم المؤسسة الايرانية، حيث نقلت صحيفة 'لوس انجليس تايمز' عن صحافي ايراني قوله ان النقاش خلف الستائر المغلقة بين الخبراء والساسة البارزين فيما يتعلق بالازمة السورية 'ساخن جدا'.
وقال الصحافي المقرب من دائرة الرئيس محمود احمدي نجاد ان الدعم القوي لبشار الاسد يكلف ايران الكثير. ولكن خسارة الاسد ستكلفها الكثير ايضا، فستعاني من عزلة بعد خسارة عنصر جديد من عناصر محور الممانعة والذي بنته منذ الثمانينات من القرن الماضي، في وقت تزداد فيه الضغوط عليها بسبب مشروعها النووي.
كما وستترك هزيمة ايران في سورية اثرها على الانتخابات الرئاسية القادمة في حزيران (يونيو) 2013. وتشير الصحيفة الى خطة النقاط الست التي تقدمت بها ايران لحل الازمة تعبر عن تفكير المؤسسة وتحول بسيط في الموقف، حيث تمنح الخطة الاسد فرصة للبقاء حتى اكمال ولايته وتعبد الطريق امام خروجه.
وتشبه الخطة مبادرة الابراهيمي، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤول في الخارجية الايرانية قوله ان هناك تشابها بين المبادرتين من ناحية عدد النقاط وحتى الصياغة. وعلى الرغم من دعوة روسيا للمفاوضات الا انها لم تدع لرحيل الاسد، وكذا ايران التي تعتقد انه يمكنها الابقاء على الاسد في السلطة حتى عام 2014 والابقاء على بنية النظام في مكانه بالاسد وبدونه حسب المسؤول الايراني الذي قال انه يجب على كلا الطرفين الجلوس الى طاولة المفاوضات.
انهيار محور الممانعة
ومع ذلك تواجه ايران وضعا صعبا في حالة سقوط الاسد الذي منحها الفرصة لمواصلة مصالحها في المنطقة، وبنت قوتها من خلال دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية مما رفع رصيدها في المنطقة. كما ان خسارتها للاسد يعني وقوع النظام الجديد تحت تأثير كل من تركيا ودول الخليج بما فيها السعودية. ومن هنا يفهم دعم ايران نظام الاسد بالمال والسلاح، كما انها اعترفت بارسال مستشارين عسكريين لنصح النظام ثم عادت ونفت الامر. وعليه تجد ايران القيادة السياسية والدينية فيها صعوبة في تقبل فكرة فشل استراتيجيتها في سورية والقائمة على الدعم المطلق لنظام الاسد، مع ان المحللين والصحافيين يرون ان السياسة فشلت وان المخرج الوحيد لايران منها هو سقوط الاسد حسب عزيز شاه محمدي المحلل القريب من وزارة الخارجية. فاضافة لخطة النقاط الست، حاولت ايران الاتصال ببعض فصائل المعارضة ومنها هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي التي يتزعمها هيثم مناع المقيم في باريس.
ويقول حسين رويارفان المحلل في التلفزيون الرسمي ان ايران تحدثت مع مناع حول ترؤس حكومة مع بقاء الاسد في السلطة حتى الانتخابات. ويقول رويارفان ان مناع زار ايران اكثر من مرة حيث اجرى محادثات مع الايرانيين، ويريد بقاء مؤسسات الدولة فاعلة وان بقاءها مصلحة وطنية ولكنه يعتقد بوجوب رحيل الاسد.
ويضيف ان ايران تجري محادثات مع مناع للتوصل حل للازمة السورية عبر الحوار لانها تعتقد بعدم وجود حل عسكري. ولم يقتصر القلق على الوضع السوري على النخبة السياسية بل زحف نحو الاعلام الذي ظل ممنوعا حتى شهرين من نشر تقارير تنتقد الاسد، فالصحف المؤيدة للنظام والمعارضة له بدأت تنشر تقارير تتحدث عن قرب نهاية الاسد.
العار عليك وعلى صحيفتك
كل الحديث عن انهيار النظام القريب، متعلق بتقييم كل طرف من طرفي المعادلة الوضع العسكري والسياسي، واختلاف عالمي المعارضة والنظام واضح في موقف المعارضة التي لا تثق بتحليلات الصحافيين الذين يقابلون مسؤولي الحكومة ويتوصلون لنتائج تقول ان النظام لن ينهار قريبا، حيث وصف باتريك كوكبيرن غضب مثقف سوري عليه بعد ان كتب سلسلة تقارير من داخل العاصمة قال فيها ان النظام لن ينهار قريبا.
ويكتب كوكبيرن قائلا ان الرحلة من دمشق للعاصمة اللبنانية تقدم صورتين متغايرتين فما هو بدهي في دمشق يتحول على الحدود السورية مع لبنان الى اراء مثيرة للجدل وتعبر عن موقف اقلية في وجه تكهنات دبلوماسيين وتقارير صحافية تتحدث عن قرب انتصار المعارضة. ويضيف الكاتب ان ما تتجاهله هذه التقارير حقيقة ان قوات الاسد لا تزال تسيطر اما بشكل كامل او جزئي على معظم المدن والبلدات الكبرى في البلاد. فاختلاف المفاهيم داخل وخارج دمشق يمكن تفسيره من خلال وصف الصحافة الدولية واعلام المنطقة الحرب. فعدد الصحافيين الاجانب في دمشق قليل نظرا لصعوبة الحصول على تأشيرات، مقارنة مع اعلام المعارضة المتقدم والذي يتخذ من العواصم خارج سورية مقرا له، ولديه آلة قوية قادرة على تقديم معلومات او وصف مفصل عن اي حادث في سورية، مدعم عادة باشرطة فيديو صحيحة او انتقائية على 'يوتيوب'.
ومن الطبيعي ان يكون اعلام المعارضة متحيزا لروايتها ويشيطن النظام، ولكن ومن المثير للدهشة هو استعداد الاعلام المحلي في لبنان وكذا لندن ونيويورك لاجترار اعلام المعارضة الدعائي وبدون ان يشكك في معلوماته. ويؤكد الكاتب قائلا، صحيح ان اصوات صرير الدبابات مسموع في دمشق لكنها ليست محاصرة، فالطريق الى حمص شمالا ودرعا جنوبا مفتوحان كما هو الطريق الى بيروت. ويضيف ان المعارضة عندما تحتل منطقة تقوم الحكومة بقصفها حيث تقتل بعض المقاتلين وتجبر الاخرين على الفرار، فيما تصعب الحياة للذين يعيشون في المناطق غير المتضررة، حيث يعانون من انقطاع مستمر للكهرباء ونقص متزايد للغاز.
جمود سياسي
ويقول ان المعارضة المسلحة حققت تقدما على الارض ولكن الصورة بشكل عام هي حالة جمود سياسي وعسكري فالمعارضة حققت تقدما في الريف ولكن تقدمها اتسم بالبطء نحو المدن، فيما لم تكن الحكومة بقادرة على استعادة الجيوب التي سيطرت عليها المعارضة في حلب وحمص. اما المعلم المهم في الثورة هي تحولها لحرب اهلية.
ويشير كوكبيرن ان الانتفاضة التي اندلعت في اذار/مارس 2011 ضد الدولة القمعية بدأت تبدو للعلويين والدروز والمسيحيين كحملة طائفية موجهة ضدهم. فهم يشاهدون لقطات الفيديو على يوتيوب تظهر عمليات اعدام لضباط علويين ويتساءلون عما سيحدث لهم حالة هزم الاسد. ويضاف الى هذا هناك مخاوف لدى الطبقة المتوسطة في المدن والذين راقبوا دمار حلب ويتساءلون عما سيحدث لدمشق.
ويقول انه عندما وصل دمشق بداية هذا الشهر، سأل صديقا عن المزاج العام في العاصمة فكانت اجابته ان 15 بالمئة مع النظام و 15 مع المعارضة والبقية تريد 'نهاية الحرب قبل ان تدمرنا جميعا'. ويتساءل ان كانت هناك امكانية لكسر الجمود، مجيبا انه لا توجد هناك علامة على قرب حدوث هذا الا في حالة تلقي المعارضة المال والتسليح القوي والتدريب، ولن يحدث هذا في القريب العاجل. وفي حالة النظام لم يحصل الانقسام الذي عولت عليه الدول الغربية ولم تصب الانشقاقات التي احتفى بها الاعلام عصب النظام.
واشنطن غير متحمسة
ويقول ان الموقف الغربي من الحرب مثير للغرابة فمن جهة تعترف بالائتلاف الوطني السوري، ومن جهة اخرى تقوم بتصنيف جماعات مقاتلة وفاعلة في المعركة كجماعات ارهابية. فيما لم تعد الولايات المتحدة متحمسة لنصر حاسم للمعارضة مما يعني تقوية صف الجهاديين، فسورية اصبحت مركز جذب للجهاديين من كل انحاء العالم الاسلامي.
ويقول كوكبيرن ان المشكلة في سورية ان هناك اكثر من صراع مغلف في واحد، فالعلمانيون يؤكدون انها حرب ' بين الشعب والنظام'ويقللون من اهمية العامل الطائفي، وهم يتجاهلون ان الطائفية والديمقراطية متداخلتان كما في العراق، حيث عنت الانتخابات في العراق حكما يتسيده الشيعة، ونفس السياق يقال في سورية.
وهناك صراع اقليمي صارت ساحته سورية بين امريكا والسعودية وحلفائهما من جهة وايران واصدقائها القلة من جهة اخرى. وينهي بالقول انه من الصعب التكهن كيف سيتم كسر الجمود، فمدن سورية مثل حلب ودمشق وحماة تشبه بيروت في عام 1975، اجزاء منها تعيش حياة عادية واخرى تقام فيها الحواجز والمتاريس والقناصة المختبئون في البنايات العالية. فيما وقعت البلاد تحت رحمة امراء حرب، كبار وصغار. وفي حلب الهم الاكبر للمقاتلين هو النهب والسلب. وكل هذا بسبب عسكرة الانتفاضة الذي اثر على مطالب الانتفاضة الجوهرية والديمقراطية الطابع.
في جمهورية ابو علي
امراء الحرب الصغار هم مثل ابو علي الصليبي الذي اعلن عن جمهوريته الخاصة في منطقة صغيرة في حي سيف الدولة، حيث اقام قانونه الخاص، ويعرض السكان للكثير من القيود، ويماطل من اجل اعادة ما سرق من بيوتهم، ويتهمهم حسب مزاجه بالعمالة مع النظام. وقد نقل غيث عبدالاحد في تقرير له من حلب نشر في عدد السبت من 'الغارديان' صورة عن حالة 'امارة' من امارات الحرب في حلب، حيث قال ان كل بيوتها اصبحت مقرا للقناصة وتم تجريدها من كل شيء له ثمن، ونقل عن مقاتل قوله ان الحلبيين يكرهون المقاتلين 'وهم محقون في ذلك، ولو كانوا دعموا الثورة في البداية لما حصل لهم ما حصل'.
ونقل صورة عن معاناة الاهالي عندما حصل مهندس وابنه على زيارة شقته من ابو علي، حيث جمعا ما استطاعا جمعه من بين الدمار، وقال الرجل لعبد الاحد، انه قضى 30 عاما يوفر لشراء شقة وسيحتاج الى 30 اخرى كي يشتري واحدة.
وينقل التقرير صورة عن تناقض الحياة المزرية التي يعيشها السكان وحياة ابو علي وعائلته في بيته مع انه لا يخلو من قلق وخوف تعبر عنه ام علي، حيث يقول امير الحر او رئيس الجمهورية ان اول رصاصة اطلقت في حلب كانت من مسدسه، واكد انه لا ثورة بدون عنف وان اهل حلب كانوا بحاجة لمن يجرهم جرا لها.
كل هذا التقييم لا يعني ان النظام ليس راحلا عاجلا ام آجلا، فالحرب تقترب من قصر الرئيس بعد ان كانت في بداية العام الحالي اشتباكات في الشمال. وقد اثرت المواجهات في العاصمة التجارية حلب، ودمشق العاصمة السياسية على وضعية الاسد النفسية الذي لا يرى الا في الصور وهو يستقبل الزوار القلائل الذين يزورون القصر لاخراجه من ورطته. فهو في عزلة عن العالم وعن نفسه، يرى ان الخيارات تضيق امامه كل يوم، فـ'امل سورية' يفقد الامل في نفسه ويحكم بلدا تأكله الحرب الاهلية التي تأخذ كل يوم بعدا طائفيا، ولا احد يعرف الطريقة التي يفكر بها الاسد الا نفسه والمحيطون به. ولهذا يشير تقرير لصحيفة 'واشنطن بوست' نقلته ايضا صحيفة 'اندبندنت اون صندي' قالت فيه ان الرئيس معزول ويخشى على نظامه حيث نالت حرب العامين الماضيين منه واثرت على نفسيته. وقالت ان الاسد اختفى كليا عن النظر العام وتوقف عن لقاء الاعلام، بعد خسارة حكومته في الاشهر الاخيرة الكثير وتقدم المقاتلين الى العاصمة.
الوضع يتغير بسرعة
وبنت الصحيفة تقريرها على معلومات لم يتم التأكد من صحتها ونقلتها عن مسؤولين امريكيين وفي المنطقة الذين قالوا ان الاسد قيد اتصالاته بدائرة صغيرة من عائلته ومستشاريه الثقات، حيث تخلى عن اية جهود لحشد الدعم الشعبي خلف نظامه المتداعي واخذ يركز على سلامته الشخصية. فيما قالت معلومات اخرى نقلتها عن مسؤولين امنيين في المنطقة ونقلت عن معارضين انشقوا عن نظامه وقالوا ان الاسد توقف عن الخروج من القصر في ساعات النهار خوفا من تعرضه لاطلاق نار او ان تصيبه رصاصة قناص، وهذه المعلومات لم يتم ايضا التأكد من صحتها.
ونقلت عن مسؤول شرق اوسطي قوله ان تحركات الرئيس تظهر انه يعيش حالة من الخوف الدائم.
وعلى خلاف هذه المعلومات فالاسد لم يظهر اي لين في موقفه، ففي اخر خطاب متلفز له اكد انه سيعيش وسيموت في دمشق، ووصف مرافقون للاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي لسورية الرئيس الاسد بأنه ظهر بصورة الواثق المستعد لمواصلة المعركة.
وفي ضوء رفض المعارضة للجهود الدبلوماسية والمقترحات التي طرحها الاخضر الابراهيمي على المعارضة وارسال الحكومة السورية وفدا لموسكو كي يطلع الروس على الوضع ومحاولة التفاوض حول وقف لاطلاق النار، الا ان المسؤولين في واشنطن والعواصم الغربية يعولون قليلا على الجهود الدبلوماسية، خاصة ان المعارضة الآن ليست في مزاج للتفاوض وتعتقد انها قادرة على تحقيق انتصار حاسم على النظام. فبحسب مسؤول في الامم المتحدة مقيم في المنطقة قال ان الوضع يتحرك بسرعة، والوضع على الارض سيحل المشكلة حتى قبل ان يتم ترتيبها في مجلس الامن او العواصم. ويقول مسؤول امريكي مطلع على تقارير الاستخبارات عن حالة النظام الداخلية، ان الاسد لا يزال يعتقد انه يحكم سورية لكن الحرب تركت اثارها النفسية عليه، خاصة انه يواجه خصما عنيدا وذكيا.
ويرى المسؤولون الامريكيون ان حس العزلة داخل القصر الجمهوري تعززت من خلال الانشقاقات الاخيرة، انشقاق قائد الشرطة العسكرية، عبدالعزيز جاسم الشلال، وقبله المتحدث باسم وزارة الخارجية جهاد مقدسي، مع انه لم تحدث انشقاقات واسعة داخل النخبة العلوية التي تحيط به وتحمي نظامه.
الخوف على السلامة الشخصية
ويعتقد المحللون ان الخوف على السلامة الشخصية تعزز بعد هجوم تموز (يوليو) على مقر الامن القومي الذي ادى لمقتل ثلاثة من اعمدة النظام، ومنذ ذلك الحادث والنظام يخسر مواقع، حيث خسر السيطرة على معظم مناطق سورية. واثر تعدد الجبهات على قدرة الجيش السوري على القتال، وتقول معلومات ان الجيش يخسر كل شهر حوالي الف من جنوده، فيما لم تعد الوحدات الخاصة قادرة على شن هجمات قوية ضد المقاتلين. وبناء عليه يعتقد المحللون العسكريون ان الجيش سيضعف خلال الاسابيع القادمة.
ورغم التحليلات التي تتحدث عن قرب انهيار النظام الا ان النخبة المحيطة بالاسد لا زالت قوية قوة 'حبة الجوز' التي لا يبدو انها في مزاح الاستسلام. ويرى المسؤولون الامريكيون ان تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاسبوع الماضي التي قال فيها ان موسكو ليست مهتمة بمصير الاسد، ربما تكون ضربة نفسية للاسد خاصة ان روسيا هي الداعم والحامي الاخير لنظامه اضافة لايران التي يظهر تقرير صحافي انها تعيد النظر في خياراتها. ويقول مسؤول شرق اوسطي ان تراجع الدعم الروسي للاسد ادى لشعور داخل النظام ان 'السفينة تغرق'.
ايران ستغير موقفها
ففي طهران مثل موسكو يجري نقاش مستمر حول المدى الذي ستذهب اليه الحكومة الايرانية في دعم نظام بشار الاسد. وبحسب تقدير محللين وسياسيين ايرانيين فالموقف الايراني المعلن هو ان الاسد لا يزال مسيطرا على الوضع، ولا يزالون يستقبلون مبعوثي النظام، فيما يستمر فيه المرشد الروحي للثورة، علي خامنئي باتهام اسرائيل وامريكا والدول الغربية بالتآمر على نظام الاسد. ولكن الانهيار البطيء لنظام الاسد يعمل على تقسيم المؤسسة الايرانية، حيث نقلت صحيفة 'لوس انجليس تايمز' عن صحافي ايراني قوله ان النقاش خلف الستائر المغلقة بين الخبراء والساسة البارزين فيما يتعلق بالازمة السورية 'ساخن جدا'.
وقال الصحافي المقرب من دائرة الرئيس محمود احمدي نجاد ان الدعم القوي لبشار الاسد يكلف ايران الكثير. ولكن خسارة الاسد ستكلفها الكثير ايضا، فستعاني من عزلة بعد خسارة عنصر جديد من عناصر محور الممانعة والذي بنته منذ الثمانينات من القرن الماضي، في وقت تزداد فيه الضغوط عليها بسبب مشروعها النووي.
كما وستترك هزيمة ايران في سورية اثرها على الانتخابات الرئاسية القادمة في حزيران (يونيو) 2013. وتشير الصحيفة الى خطة النقاط الست التي تقدمت بها ايران لحل الازمة تعبر عن تفكير المؤسسة وتحول بسيط في الموقف، حيث تمنح الخطة الاسد فرصة للبقاء حتى اكمال ولايته وتعبد الطريق امام خروجه.
وتشبه الخطة مبادرة الابراهيمي، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤول في الخارجية الايرانية قوله ان هناك تشابها بين المبادرتين من ناحية عدد النقاط وحتى الصياغة. وعلى الرغم من دعوة روسيا للمفاوضات الا انها لم تدع لرحيل الاسد، وكذا ايران التي تعتقد انه يمكنها الابقاء على الاسد في السلطة حتى عام 2014 والابقاء على بنية النظام في مكانه بالاسد وبدونه حسب المسؤول الايراني الذي قال انه يجب على كلا الطرفين الجلوس الى طاولة المفاوضات.
انهيار محور الممانعة
ومع ذلك تواجه ايران وضعا صعبا في حالة سقوط الاسد الذي منحها الفرصة لمواصلة مصالحها في المنطقة، وبنت قوتها من خلال دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية مما رفع رصيدها في المنطقة. كما ان خسارتها للاسد يعني وقوع النظام الجديد تحت تأثير كل من تركيا ودول الخليج بما فيها السعودية. ومن هنا يفهم دعم ايران نظام الاسد بالمال والسلاح، كما انها اعترفت بارسال مستشارين عسكريين لنصح النظام ثم عادت ونفت الامر. وعليه تجد ايران القيادة السياسية والدينية فيها صعوبة في تقبل فكرة فشل استراتيجيتها في سورية والقائمة على الدعم المطلق لنظام الاسد، مع ان المحللين والصحافيين يرون ان السياسة فشلت وان المخرج الوحيد لايران منها هو سقوط الاسد حسب عزيز شاه محمدي المحلل القريب من وزارة الخارجية. فاضافة لخطة النقاط الست، حاولت ايران الاتصال ببعض فصائل المعارضة ومنها هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي التي يتزعمها هيثم مناع المقيم في باريس.
ويقول حسين رويارفان المحلل في التلفزيون الرسمي ان ايران تحدثت مع مناع حول ترؤس حكومة مع بقاء الاسد في السلطة حتى الانتخابات. ويقول رويارفان ان مناع زار ايران اكثر من مرة حيث اجرى محادثات مع الايرانيين، ويريد بقاء مؤسسات الدولة فاعلة وان بقاءها مصلحة وطنية ولكنه يعتقد بوجوب رحيل الاسد.
ويضيف ان ايران تجري محادثات مع مناع للتوصل حل للازمة السورية عبر الحوار لانها تعتقد بعدم وجود حل عسكري. ولم يقتصر القلق على الوضع السوري على النخبة السياسية بل زحف نحو الاعلام الذي ظل ممنوعا حتى شهرين من نشر تقارير تنتقد الاسد، فالصحف المؤيدة للنظام والمعارضة له بدأت تنشر تقارير تتحدث عن قرب نهاية الاسد.
العار عليك وعلى صحيفتك
كل الحديث عن انهيار النظام القريب، متعلق بتقييم كل طرف من طرفي المعادلة الوضع العسكري والسياسي، واختلاف عالمي المعارضة والنظام واضح في موقف المعارضة التي لا تثق بتحليلات الصحافيين الذين يقابلون مسؤولي الحكومة ويتوصلون لنتائج تقول ان النظام لن ينهار قريبا، حيث وصف باتريك كوكبيرن غضب مثقف سوري عليه بعد ان كتب سلسلة تقارير من داخل العاصمة قال فيها ان النظام لن ينهار قريبا.
ويكتب كوكبيرن قائلا ان الرحلة من دمشق للعاصمة اللبنانية تقدم صورتين متغايرتين فما هو بدهي في دمشق يتحول على الحدود السورية مع لبنان الى اراء مثيرة للجدل وتعبر عن موقف اقلية في وجه تكهنات دبلوماسيين وتقارير صحافية تتحدث عن قرب انتصار المعارضة. ويضيف الكاتب ان ما تتجاهله هذه التقارير حقيقة ان قوات الاسد لا تزال تسيطر اما بشكل كامل او جزئي على معظم المدن والبلدات الكبرى في البلاد. فاختلاف المفاهيم داخل وخارج دمشق يمكن تفسيره من خلال وصف الصحافة الدولية واعلام المنطقة الحرب. فعدد الصحافيين الاجانب في دمشق قليل نظرا لصعوبة الحصول على تأشيرات، مقارنة مع اعلام المعارضة المتقدم والذي يتخذ من العواصم خارج سورية مقرا له، ولديه آلة قوية قادرة على تقديم معلومات او وصف مفصل عن اي حادث في سورية، مدعم عادة باشرطة فيديو صحيحة او انتقائية على 'يوتيوب'.
ومن الطبيعي ان يكون اعلام المعارضة متحيزا لروايتها ويشيطن النظام، ولكن ومن المثير للدهشة هو استعداد الاعلام المحلي في لبنان وكذا لندن ونيويورك لاجترار اعلام المعارضة الدعائي وبدون ان يشكك في معلوماته. ويؤكد الكاتب قائلا، صحيح ان اصوات صرير الدبابات مسموع في دمشق لكنها ليست محاصرة، فالطريق الى حمص شمالا ودرعا جنوبا مفتوحان كما هو الطريق الى بيروت. ويضيف ان المعارضة عندما تحتل منطقة تقوم الحكومة بقصفها حيث تقتل بعض المقاتلين وتجبر الاخرين على الفرار، فيما تصعب الحياة للذين يعيشون في المناطق غير المتضررة، حيث يعانون من انقطاع مستمر للكهرباء ونقص متزايد للغاز.
جمود سياسي
ويقول ان المعارضة المسلحة حققت تقدما على الارض ولكن الصورة بشكل عام هي حالة جمود سياسي وعسكري فالمعارضة حققت تقدما في الريف ولكن تقدمها اتسم بالبطء نحو المدن، فيما لم تكن الحكومة بقادرة على استعادة الجيوب التي سيطرت عليها المعارضة في حلب وحمص. اما المعلم المهم في الثورة هي تحولها لحرب اهلية.
ويشير كوكبيرن ان الانتفاضة التي اندلعت في اذار/مارس 2011 ضد الدولة القمعية بدأت تبدو للعلويين والدروز والمسيحيين كحملة طائفية موجهة ضدهم. فهم يشاهدون لقطات الفيديو على يوتيوب تظهر عمليات اعدام لضباط علويين ويتساءلون عما سيحدث لهم حالة هزم الاسد. ويضاف الى هذا هناك مخاوف لدى الطبقة المتوسطة في المدن والذين راقبوا دمار حلب ويتساءلون عما سيحدث لدمشق.
ويقول انه عندما وصل دمشق بداية هذا الشهر، سأل صديقا عن المزاج العام في العاصمة فكانت اجابته ان 15 بالمئة مع النظام و 15 مع المعارضة والبقية تريد 'نهاية الحرب قبل ان تدمرنا جميعا'. ويتساءل ان كانت هناك امكانية لكسر الجمود، مجيبا انه لا توجد هناك علامة على قرب حدوث هذا الا في حالة تلقي المعارضة المال والتسليح القوي والتدريب، ولن يحدث هذا في القريب العاجل. وفي حالة النظام لم يحصل الانقسام الذي عولت عليه الدول الغربية ولم تصب الانشقاقات التي احتفى بها الاعلام عصب النظام.
واشنطن غير متحمسة
ويقول ان الموقف الغربي من الحرب مثير للغرابة فمن جهة تعترف بالائتلاف الوطني السوري، ومن جهة اخرى تقوم بتصنيف جماعات مقاتلة وفاعلة في المعركة كجماعات ارهابية. فيما لم تعد الولايات المتحدة متحمسة لنصر حاسم للمعارضة مما يعني تقوية صف الجهاديين، فسورية اصبحت مركز جذب للجهاديين من كل انحاء العالم الاسلامي.
ويقول كوكبيرن ان المشكلة في سورية ان هناك اكثر من صراع مغلف في واحد، فالعلمانيون يؤكدون انها حرب ' بين الشعب والنظام'ويقللون من اهمية العامل الطائفي، وهم يتجاهلون ان الطائفية والديمقراطية متداخلتان كما في العراق، حيث عنت الانتخابات في العراق حكما يتسيده الشيعة، ونفس السياق يقال في سورية.
وهناك صراع اقليمي صارت ساحته سورية بين امريكا والسعودية وحلفائهما من جهة وايران واصدقائها القلة من جهة اخرى. وينهي بالقول انه من الصعب التكهن كيف سيتم كسر الجمود، فمدن سورية مثل حلب ودمشق وحماة تشبه بيروت في عام 1975، اجزاء منها تعيش حياة عادية واخرى تقام فيها الحواجز والمتاريس والقناصة المختبئون في البنايات العالية. فيما وقعت البلاد تحت رحمة امراء حرب، كبار وصغار. وفي حلب الهم الاكبر للمقاتلين هو النهب والسلب. وكل هذا بسبب عسكرة الانتفاضة الذي اثر على مطالب الانتفاضة الجوهرية والديمقراطية الطابع.
في جمهورية ابو علي
امراء الحرب الصغار هم مثل ابو علي الصليبي الذي اعلن عن جمهوريته الخاصة في منطقة صغيرة في حي سيف الدولة، حيث اقام قانونه الخاص، ويعرض السكان للكثير من القيود، ويماطل من اجل اعادة ما سرق من بيوتهم، ويتهمهم حسب مزاجه بالعمالة مع النظام. وقد نقل غيث عبدالاحد في تقرير له من حلب نشر في عدد السبت من 'الغارديان' صورة عن حالة 'امارة' من امارات الحرب في حلب، حيث قال ان كل بيوتها اصبحت مقرا للقناصة وتم تجريدها من كل شيء له ثمن، ونقل عن مقاتل قوله ان الحلبيين يكرهون المقاتلين 'وهم محقون في ذلك، ولو كانوا دعموا الثورة في البداية لما حصل لهم ما حصل'.
ونقل صورة عن معاناة الاهالي عندما حصل مهندس وابنه على زيارة شقته من ابو علي، حيث جمعا ما استطاعا جمعه من بين الدمار، وقال الرجل لعبد الاحد، انه قضى 30 عاما يوفر لشراء شقة وسيحتاج الى 30 اخرى كي يشتري واحدة.
وينقل التقرير صورة عن تناقض الحياة المزرية التي يعيشها السكان وحياة ابو علي وعائلته في بيته مع انه لا يخلو من قلق وخوف تعبر عنه ام علي، حيث يقول امير الحر او رئيس الجمهورية ان اول رصاصة اطلقت في حلب كانت من مسدسه، واكد انه لا ثورة بدون عنف وان اهل حلب كانوا بحاجة لمن يجرهم جرا لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق