في الوقت الذي تعرّضت فيه المرأة المصرية لأبشع أنواع العنف، وداستها جحافل مدرّعات المجلس العسكري على قارعة الطريق، وتتعرّض لحملة إقصاء شديدة من جانب قوى الردّة والتخلّف من السلفيّين والتكفيريّين والإخوان المسلمين، قام الحزب الاشتراكي المصري بخطوة غير مسبوقة في الحياة السياسية المصرية تكريماً للمرأة ودورها الاجتماعي والسياسي، ودورها في الثورة المصرية بانتخاب امرأة، لتكون أمينة عامة للحزب، هي كريمة الحفناوي، الصيدلية المناضلة ضد نظامي السادات ومبارك، والعضو المؤسّس لحركة «كفاية» والجمعية الوطنية للتغيير والحزب الاشتراكي والتيار الشعبي. وهي تعتبر حكم الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي امتداداً لنظام مبارك الذي أسقطته الثورة الشعبية، وأن الفساد هو الفساد والعداء للأغلبية الساحقة من الشعب هو هو. وأنه منذ انطلاق الثورة حتى الآن لم يصدر قانون أو قرار لمصلحة طبقات الشعب الفقيرة ومحدودة الدخل، وأن مرسي الذي حنث بوعوده للثوّار لا يصحّ أن يتعامل معه الثوّار بثقة، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين.
ما تعليقك على الاجتماعات التي عقدها الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي مع من كانوا ينافسونه على المنصب تحت شعار لمّ الشمل؟!
< أرفض ما أسمّيه بالهرولة إلى رئاسة الجمهورية من أجل الحوار حول الدستور؛ إن الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية سبق وأن تعهّد بإعادة تشكيل «التأسيسية» ولم ينفّذ وعده. والحوارات التي تجريها الرئاسة تستهدف تجميل وجه النظام وقت الشدّة، والدليل هو أنهم يتخلّون عن الوعود في الوقت المناسب. لذا أرفض دعاوى لمّ الشمل بين جماعة الإخوان المسلمين والقوى الوطنية، فلن نقبل بلمّ الشمل مع من تركوا الميدان، وتفاوضوا على إجهاض الثورة مع عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع. لن نوافق على لمّ الشمل بيننا وبين من تركوا المذابح في التحرير من أجل الانتخابات، وتواطأوا على الشعب باسم الدين في الخطيئة الكبرى المسمّاة استفتاء آذار (مارس) 2011. وأرى أنه من غير المعقول أن تجتمع القوى الوطنية للمّ الشمل بينها وبين من قالوا «لا معارضة للرئيس»، عندما قامت الثورة ضد مبارك، ومن تركوا من يفتي بإهدار دم من لا يطيع الوالي.
وعند ذهاب ممثّلي القوى السياسية للقاء الرئيس محمد مرسي، صرّحت بجملة واحدة وهي «لماذا يذهبون»؟! لأنه لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين، فقد ذهبت بعض الشخصيات السياسية في 22ـ6 وجلست مع مرسي قبل نتيجة الانتخابات، وتعهّد بوثيقة من خمس مطالب ووقّع عليها ولم يف بعهده. إن الحكومة والرئيس لا يفون بعهودهم، لذا فلا داعي للحوار. قلنا ارفضوا الحوار الذي يلجأ له الإخوان كلّما وضعوا في المواقف الصعبة، وأنا ضد ذهاب حمدين صباحي ومحمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح للقاء مرسي. فالإخوان يتعاملون بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات، لتحقيق مصالحهم للدرجة التي وصلت الى المصالحة مع رجال الأعمال الذين نهبوا أموال مصر في عهد النظام البائد، فرأس المال لا دين له ولا وطن. والإخوان والسلفيّون تربّوا في حضن النظام السابق، وأشتمّ رائحة موجة الثورة الثانية في كانون الثاني (يناير) القادم.
> ما هي أهمّ أولوياتكم في الحزب والتيار؟
< العدالة الاجتماعية على رأس أولويات التيار الشعبي، وحق الشهداء وإعادة محاكمة قتلة الثوّار التي تأخّرت بعدما أتلفت الأدلّة، وما حدث كان «مهرجان البراءة للجميع». ونحن نتساءل: إذا كان الرئيس مرسي يملك العفو عن السجناء فكان أولى به أن يفرج عن سجناء الثورة. ونحن نرى أن الحكومة لا تصارح الشعب بما تفعله، ومشروع النهضة والمئة يوم كانا مجرّد كلام انتخابات من الرئيس مرسي، لأن المشاكل كثيرة وكبيرة، ولا يمكن حلّها في هذه المدة. ويجب أن يعلم الجميع أن الشعب المصري بعد الثورة لم يعد كما كان قبل الثورة، ولم يقم الناس بالثورة ليكتبوا «شيكات على بياض» للرؤساء.
> وماذا عن الدستور وسيطرة الإسلاميين على كتابته؟
< نحن نرى أن الجمعية التأسيسية للدستور بتشكيلها الحالي باطلة من دون انتظار حكم القضاء النهائي. ولا بد من انسحاب القوى المدنية من التأسيسية حتى لا يسمح بتمرير الدستور الذي يفرضه الإسلاميون، بحجّة أن التأسيسية تمثّل كل القوى في المجتمع المصري، وهذا كلام غير صحيح. وقوانين وحقوق المرأة تعرّضت لتعدٍّ صارخ وانتهاك كبير في الدستور الذي أعدّته التأسيسية. وقد تقدّمت الجبهة الوطنية لنساء مصر ببعض المقترحات للجمعية التأسيسية بعنوان «الدستور والمرأة»، ومنها ما يتعلّق بزواج القاصرات والاهتمام بالمرأة المعيلة، وذلك لتخوّفنا من عدم إنصاف المرأة بالدستور الجديد، بسبب وجود المرأة الضعيف في تأسيسية الدستور، لكن الجمعية التأسيسية شطبت هذه المقترحات، بدعوى أن هذه المشكلات غير واقعية وغير موجودة في المجتمع المصري. لذلك دعمت مشاركة المرأة في التظاهرات تحت شعار «الدستور والعدالة الاجتماعية»، والتي كان من مطالبها حلّ الجمعية التأسيسية لعدم تمثيلها أطياف المجتمع كافة.
> خلال «جمعة كشف الحساب» تعرّضتم لأعمال عنف؟
< أنا أحمّل جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية المباشرة عمّا حدث من اشتباكات واقتتال بين أبناء الوطن الواحد. وتقدّمت ببلاغ للنائب العام عن تعرّض المرأة المصرية لانتهاكات بدنية حدثت في ميدان التحرير في «جمعة كشف الحساب»، وقام النائب العام بتحويل أربع سيّدات أصبن إصابات بدنية في تلك الجمعة على الطب الشرعي للفحص.
وهناك بلاغ مقدّم من سبعة أحزاب و17 حركة نسائية ومجموعة من الشخصيات العامة ضد وزير الداخلية بصفته، وضد عصام العريان والدكتور محمد البلتاجي، وذلك لضربهم السيدات أثناء «جمعة كشف الحساب». وأثبتت المصابات إصاباتهن لدى مصلحة الطب الشرعي بعد تحرّيات النيابة والمخابرات العسكرية. أما البلاغ المقدّم من الأحزاب: حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والجبهة والحزب الناصري، والاشتراكي المصري، والتحالف الشعبي، والوفد، والتجمّع، فهو يتّهم جماعة الإخوان المسلمين بالتحريض المباشر قبل التظاهرة بيومين، والاحاطة بهم من كل ناحية بالأوتوبيسات، مما ساعد الميليشيات على التحرّك بالعصي، والخرطوش وإصابة أكثر من 143 شخصاً.
وكنت آمل أن تتحرّر الدولة من أسلوب الدولة البوليسية الذي كان من أهمّ أسباب قيام الثورة على النظام السابق، ولم أكن أتوقّع هذا العنف في «جمعة كشف الحساب»، كما أنني أمتلك مقاطع فيديو لبعض المحرّضين للعنف ضد المتظاهرين، ومثال لما جاء على لسان عصام العريان أن متظاهري «جمعة كشف الحساب» هم جماعة مموّلة.
> وما هي ملاحظاتكم الأخرى على مسودّة الدستور؟
< مسودّة الدستور الحالية فيها مواد قانونية «مطّاطة» لا تخدم حق المواطن في العلاج والصحّة، مما يؤدّي الى استمرار سياسات الفساد التي كان يتّبعها النظام السابق. لا يمكن بأي حال التلاعب بمواد الصحّة في الدستور، حيث ذكر في إحدى المسوّدات أن الدولة تكفل حق الصحّة للمواطنين غير القادرين، فما معنى غير القادرين؟ هل المطلوب كشف عائلة أم شهادة إثبات فقر؟! إن الغني والفقير من حقّهم العلاج. ونحن مصمّمون على أن دستور مصر القادم لن يتمّ تمريره إلا بعد نقاش مجتمعي وقبول من طوائف الشعب كافة، ولا بد من الاستفتاء عليه باباً باباً وطرحه للحوار المجتمعي لمدة ستة أشهر.
نظام الفساد مستمرّ
> كيف الحال على المستوى العام لأغلبية الشعب المصري بعد الثورة؟
< منذ انطلاق الثورة لم ينفّذ قرار واحد لمصلحة الفقراء ومحدودي الدخل، ونظام الفساد مستمرّ حتى الآن نظراً الى الانفتاح الاقتصادي الذي طبّق في مصر منذ العام 1975، بسبب الاعتماد على المعونات والقروض الخارجية التي تضع شروطاً تعجيزية حوّلت الدولة من اتّباع سياسة الانتاج الى الاستهلاك، وهذا سبب ضياع الصناعات، عندما أعطى البنك الدولي لمصر قرضاً في العام 1997 اشترط خصخصة الخدمات التي تقدّم للمواطن كالمياه والمرافق بصرف النظر عن أنها من حقوق الإنسان. إن الحد الأدنى للأجور لم ينفّذ حتى هذه اللحظة، رغم وجود حكم محكمة بأن يكون 1200 جنيه منذ العام 2010، وأنا أطالب بإعادة هيكلة توزيع الأجور والمرتّبات وعدم البذخ للمحسوبية والأقارب. إذا كان النظام السابق نظاماً فاسداً ولم ينفّذ حكم المحكمة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، فلماذا لم ينفّذ الدكتور مرسي قرار المحكمة بتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور حتى الآن؟
والحكومة قبل الثورة كانت تريد خصخصة التأمين الصحّي، وتطبيق التجربة الأميركية بجعله تأميناً تجارياً على عكس المتّبع بالدول الأخرى، لكن وقوف القوى الوطنية والعمّالية في وجه هذا المشروع حال دون تنفيذه. وقمنا برفع دعوى لعدم خصخصة التأمين الصحّي، استندنا فيها الى المادتين 16 و17 في الدستور اللتين تنصّان على أنه لا يستطيع أحد الاتّـجار في صحّة المواطنين، وعلى الرغم من ذلك لم ينفّذ مشروع وزير الصحّة الأسبق حاتم الجبلي.
> ماذا كان الموقف من إضراب الأطباء الذي لم تشهد له مصر سابقة؟
< أعلنت تضامني مع إضراب الأطباء من أجل تطوير المنظومة الصحّيّة المهملة في دستور الدولة. في الواقع أرى أنه لا بد من أن تزيد الميزانية 15%، وأن يكون علاج التأمين الصحّي باشتراك لا يتعدّى 3%، فالمواطن لديه الحق الكامل في العلاج، وخصوصاً أصحاب المعاشات، فلهم الحق في العلاج الكامل وعدم دفع أي رسوم طبّيّة بعد الاشتراك.
> لو نظرنا إلى سيناء.. نجد المشاكل تتزايد؟
< لا بد من الاهتمام بتنمية سيناء، لأن المواطن السيناوي يعاني المعاملة السيّئة من الدولة، وعدم تمليكهم الأراضي التي يعيشون عليها، وأطالب رجال الأعمال بالالتفاف حول مشروع قومي لتنمية سيناء، ولا بد من تعديل معاهدة كامب ديفيد. وهناك حالة من غياب الشفافية من جانب الدولة حول الوضع في سيناء.
> فوجئ الناس بقرار الحكومة إغلاق المحالّ التجارية عند العاشرة مساء؟
< إن على الحكومات أن تتعلّم لغة الحوار، وبعد الثورة بشكل أخصّ يجب أن تجرى حوارات شعبية قبل اتّخاذ القرار؛ إن الشعب يستطيع من خلال أساليبه السلمية أن يحصل على حقوقه، لأن قرار الحكومة بإغلاق المحالّ في العاشرة ليلاً أغضب الشعب.
> كيف ترون الى سياسات الإخوان قبل سيطرتهم على الحكم وبعدها؟
< إن سياسة الإخوان المسلمين تحتوي دائماً على تكتيكات وعكسها، بالاضافة إلى تمتّعهم بالمرونة في ممارسة عملهم، وذلك من أجل تحقيق مصلحتهم. سياسة الإخوان تغيّرت بنسبة مئة في المئة بعد وصولهم إلى السلطة، ففي بداية المطاف كانوا ضد تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، وبعد وصولهم للبرلمان قرّروا زيادة ثمن الغاز المصدّر لإسرائيل فقط، مما يدلّ على أنه ليس لديهم مانع من تصدير الغاز للعدوّ الإسرائيلي. وبالمثل يتعامل الإخوان مع قضية اتّفاقية «كامب ديفيد» التي قالوا في شأنها إنهم مع الاتفاقيات الدولية كافة، وذلك في محاولة لمهادنة إسرائيل وأميركا.
سبب تلك المتاهة
> هل ترون سبباً محدّداً وراء الأزمات التي تعيشها مصر بعد الثورة؟
< إن الاستفتاء الدستوري في 19 آذار (مارس) 2011 هو سبب تلك المتاهة التي تعيشها البلاد حالياً، ونتيجة الانتخابات الرئاسية تأخّرت ساعة بسبب الضغط من الولايات المتحدة الأميركية على المجلس العسكري لإعلان فوز مرسي.
> عصام العريان مستشار الرئيس والقيادي الإخواني اتّهمكم وكل قوى اليسار بالعمالة واحتقار الدين والفشل والتشرذم؟
< اتّهام عصام العريان لليسار بأن سبب فشله هو احتقار الدين والتمويل الأجنبي، اتّهام غير موضوعي. من الممكن أن نتّفق مع العريان حول تشرذم قوى اليسار وتراجع قوّتها وانقسامها في الشارع المصري، لكن لا يخفى على الجميع أن من ضمن أسباب هذا التراجع ضعف التمويل، لأن الأحزاب الاشتراكية تعتمد في تمويلها على اشتراكات أعضائها، فاليسار المصري لا يتلقّى التمويلات مثل تيار الإسلام السياسي من الدول الإسلامية وبعض دول الخليج. وأعتقد أن عصام العريان خانه التوفيق عندما اتّهم اليسار باحتقار الأديان، لأنه بذلك يعني أن الدين شكل فقط، ومختصر في العبادات رغم أن العبادات شيء بين الإنسان وربّه. إن جوهر الدين هو العدل والأمانة وليس كما يستخدمه تيار الإسلام السياسي لتحقيق مصالحه الخاصة بالاستحواذ على السلطات. لقد كذب الإخوان والتيار الإسلامي على الشعب باسم الدين، عندما أخبروه أن التصويت بـ«نعم» على التعديلات الدستورية يعدّ تصويتاً للإسلام.
> ما هو أهم مطلب تطالبون به الرئيس مرسي؟
< نطالب الرئيس مرسي بإعادة محاكمة النظام السابق ورموزه، خصوصاً وأن ذلك سيجد ارتياحاً لدى الشعب كلّه. وأحذّر من ثورة جياع عارمة تأكل الأخضر واليابس، إذا ما قامت الحكومة بإلغاء الدعم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق