الاثنين، 14 مايو 2012

مقدمة الربا

من البدهي عند فقهاء الأمة، أن الاجتهاد يقف عند النص، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278-279).
ثم نجد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكّد النهي عن مزاولة الربا، وسعى سعياً متصلاً في القضاء عليه في الدولة الإسلامية المثالية.
لقد كان بنو المغيرة في مكة يأكلون الربا، فألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل ما كان لهم على الناس، وكانت لهم على الناس أموال من الربا، فكتب إلى عامله في مكة بقتالهم إن لم يكفّوا عن المراباة.
والربا هو القدر الزائد الذي ينضم إلى المال عندما يؤدّيه المدين إلى الدائن ويجعله مساوياً في القيمة لذلك المال الذي أخذه من الدائن عند اقتراضه إياه.
وفي أيامنا هذه نجد من الدلائل والبراهين التي يعرضها محامو المراباة لإثبات مشروعيتها بموجب العقل والعدل غير صحيحة، لأن العدل والمعقوليّة لا علاقة لهما بهذا الشيء الخبيث.
والحقيقة أنهم لا يمكن أن يثبتوا –ولو بأي دليل قوي- وجه الصواب في الربا لا في أخذه ولا في أدائه، ولكن من العجب العجاب، أن هذا الشيء على قدر ما كان منافياً للمعقولية، قد عدّه العلماء والمفكرون في الغرب من الأمور المسلّم بها بداهة.
والدّهاء الذي يلعبه الدائن في التعامل الربوي وخاصة في اختلاق المبررات وتزيّنها في أعين الناس كثيرة. وأن غاية ما للدائن أن يحتج به في مشروعية رباه: أنّى أتيح لغيري أن ينتفع بمالي، فمن حقي أن أنال نصيباً من منفعته.
وعندما فتح القانون باب المراباة للرأسمالي، سرت روح القمار والميسر في ما بين رأس المال والتجارة من المعاملة، وبدأ ينخفض سعر الربا مرة ويرتفع أخرى.
والحقيقة بعد هذا، أن غاية ما قد حدث من الفرق بين المرابين في الزمن القديم والصيارفة في الزمن الحاضر، هو أن أولئك كانوا ينهبون من الناس أموالهم متفرقين، وجاء 
هؤلاء اليوم ينهبون مجتمعين، وبتأليف الفئات القوية من أنفسهم للغرض نفسه. والفرق الثاني الذي حدث ولعله أكبر من الفرق الأول، هو أن كل ناهب من أولئك ما كان يأتي بأسلحة النقب وقتل النفوس إلا بنفسه ومن عند نفسه، وأما الآن فقد بدأ الجمهور أنفسهم يعطون هؤلاء النّاهبين المنظمين بالكراء آلات كبيرة وأسلحة حادة لنقب بيوتهم وإبادة نفوسهم لحماقتهم وغفلة القوانين والحكومات، فهؤلاء الصيارفة يؤدون إليهم الكراء في النور ويشنّون عليهم الغارات ويسلبونهم أموالهم في الظلام... وهذا التعامل الربوي يجعل من الإنسان ثوراً، عليه أن يعمل لصاحبه طول النهار.
وهنا يبلغ شر الربا وفتنته منتهاها. فهل لرجل ذوي الفهم والتعقل بعد هذا كله، أن يشك في فداحة شرور الربا ومفاسده وويلاته على المجتمع الإنساني، ويتردد في الاعتراف بأن الربا سيئة يجب تحريمها بتاتاً؟ وهل لرجل بعد أن شاهد مضارّ الربا ونتائجه، على ما بيناها آنفاً، أن يرتاب في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده، وقال: "هم سواء"؟
نسأل الله تعالى العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، والرزق الحسن، وحسن الخاتمة.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق