الجمعة، 11 مايو 2012

حوار صحفي مع رجل القانون العربي الدكتور كمال أبو المجد. أجرى الحوار: خالد الشطيبي ابو هبة . .اعداد .نعمان عبد الله الشطيبي


  أجرى الحوار: خالد الشطيبي ابو هبة . .اعداد .نعمان عبد الله الشطيبي
وكالة الأنباء الوطنية الماليزية- برناما
  يعتبر الدكتور كمال ابو المجد  أحد أبرز الوجوه القانونية والثقافية في مصر والعالم العربي،  التقيناه مؤخرا بكوالالمبور على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي: "الإسلام والغرب- سد الهوة" الذي نظمته وزارة الخارجية الماليزية، فخص وكالة برناما بالحوار الصحفي الآتي:
 1- انتقد البعض صياغة عنوان الندوة الدولية: "الإسلام والغرب، سد الهوة"، ما رأيكم؟
رغم أنني لا أتوقف عادة عند الجوانب اللغوية مادام المعنى واضحا، لكن العنوان ليس فيه التقابل  المنطقي لأنه إذا تحدثنا عن المسلمين فسيكون مقابله غير المسلمين، وإذا تحدثنا عن الشرق سيكون مقابله الغرب أو شيء من هذا القبيل… إنما المفهوم أنه حين يقال الغرب نتكلم عن الحضارة الأوروبية الأمريكية، وإن كان أيضا ثمة أشياء في أمريكا اللاتينية تعكس الحضارة الغربية، فهذه الأخيرة لها تجليات مختلفة لا تلتزم الحدود الجغرافية.
ثم بالنسبة لليابان أين نضعها؟ لقد تغاضينا عن هذا، لأن الكل يعلم أن المقصود هو العالم الإسلامي والعالم الأوروبي الأمريكي بصفة خاصة ، خصوصا أن المسألة مرتبطة بالنفوذ والتأثير السياسي والإعلامي والاقتصادي والعسكري، فنحن نتكلم عن قوة نعرفها، وقوة أخرى نعرفها بأكملها ألا وهي العالم الإسلامي،على ما هناك من تنوعات داخل كل من الجانبين..
الأزمة واضحة والمسألة ليست مسألة فجوة بل هي تعبير عن فجوة بين دول غنية ودول فقيرة، دول قوية عسكريا ودول ضعيفة، مسافة تبعد وتقترب، إنما مع العالم الغربي هناك أزمة، أزمة ثقة، أزمة تعارض مصالح أحيانا، أزمة افتعال أزمات أحيانا أخرى..
 2 ـ هل تشاطرون الطرح القائل بصدام الحضارات؟
صدام الحضارات أحد الخيارين، فهو مطروح ويمكن أن يقع إذا لم ينهض العقلاء وإذا لم يُدل الحكماء برأيهم، وإذا لم نجهض هذا التخطيط في مهده، لأن لا أحد يتحمل نتائج الصدام، فنحن لانتكلم عن صدام قوة صغيرة بقوة صغيرة..
 لدينا مليار و500 مليون مسلم، فهل سيذبحونهم جميعا؟  هذا غير وارد، والدين الإسلامي يزداد انتشارا، فالمشكلة لا تحل بالمواجهة، ولكن هذه الأخيرة تضعف  الأطراف  وتضعفنا نحن أيضا.
 المسألة معقدة لأننا نعتقد أن هناك قوة أخرى تتمثل في اللوبي الصهيوني عموما الذي يمارس تأثيرا قويا داخل أمريكا من خلال اليمين الجديد، فاليمينيون الجدد تشبعوا بفكر ديني يخدمهم.. المسألة مطروحة ودوراليمين الجديد في أمريكا يؤثر بشكل قوي في السياسة وصنع القرار..
 3ـ هل  تعتقدون أنه بالإمكان ردم الهوة وإقامة الجسور في ظل واقع احتلال الأراضي الإسلامية: فلسطين والعراق وأفغانستان؟
طبعا هذا معوق كبير، فهي حلقة مفرغة وأعتقد أن القضية الفلسطينية لن تحل بعنف، لأن المشكلة ليست في فلسطين ولكنها في طبيعة دولة إسرائيل، فنحن نقول إذا كان التاريخ لا يعود ولايمكن إلغاؤها أو محوها، فعلى الأقل الضغط عليها لتتحول إلى دولة عادية، لأن اعتراضنا  ليس فقط على مجرد وجود اليهود في المنطقة إنما على طبيعة الدولة.. فهي مفتوحة على الحدود وذات طبيعة  استعمارية، استيطانية، وذات طموحات دينية، فهذا يعني أن العربي يحاسب إذا ذكر الدين أو الإسلام، ولايحاسب  اليهودي إذا قال: أدعو جميع  اليهود  للعودة، أو اهدموا الأقصى وأقيموا معبد سليمان!
هناك معايير مزدوجة، ولدينا مثال بسيط جدا: الضجة الهائلة بدعوى أن إيران تخصب النووي، في حين لا أحد يتكلم عن إسرائيل التي تتوفر على الأقل على مائة رأس ذري تستطيع أن تدمر به المنطقة. هذه المعايير تؤكد ـ وقد ذكرت هذا في محاضرة عامةـ أنه ما لم تتغير طبيعة الدولة الإسرائيلية من دولة توسعية إلى دولة عادية، وما لم يوضع حل عادل يسترجع حقوق المسلمين، فلا سلام.. وأقصى ما يمكن الحصول عليه وقف إطلاق النار أو هدنة! إنما السلام فلا يمكن تحقيقه مع الصهيونية التوسعية.
 4ـ ألا تعتبرون أن من الأجدى أن تضيق الدول الإسلامية الهوة فيما بينها أولا حتى يتسنى لها أن تخاطب الغرب من منطق قوة؟
الأزمة أزمتان: أزمة عندنا وأزمة في علاقتنا بالعالم، فالأزمة التي عندنا تدور حول ثلاثة قضايا رئيسية
ـ أن الهوية العربية الإسلامية تكاد تطمس، وهناك حيرة شديدة..
ـ أن الصيغة الرائجة للتدين الإسلامي ليست أفضل الصيغ، فهي إما حرفية متشددة أو غيبية صوفية  أو لاشيء، حيث أنك ترى أن أكثر المتدينين الآن بحالة تحرج وتأثم، ولقد أعددت مقالا سأنشره قريبا تحت عنوان: " تدين بغير قلق"، فالتدين ليس معناه الوسوسة أو نشر ما ينفع أو لاينفع، ودوران حول النفس وشعور بعدم الرضى عن النفس..
 الإسلام وكل الحضارات لا يبنيها إلا الذين هم  في سلام مع أنفسهم  والمتفائلون والمستريحون، فمقام الرضى أعلى من مقام الصبر، لأن الصبر له شيء من المرارة والرضى  له كثير من الحلاوة، ولذلك رضي الله عنهم ورضوا عنه، فهذا من أعلى المراتب، أن يرضى الله عنك وترضى عن نفسك، ومنهج الإسلام غريب، فالإنسان خطاء وكل بني آدم خطاء وخلق الإنسان ضعيفا،  إنما الإسلام  منهجه إذا أخطأت أن تتوب وتنسى ذنبك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا تاب العبد أنسى الله حفظته ذنبه"، أي أن الملائكة الذين يحفظون ينسيهم ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه فلا عينه تشهد عليه ولا أذنه ولا يده… حتى يأتي يوم القيامة وليس عليه شيء من ذنب، ليعيش بذلك حياة صحية غير مسممة، فإذا أخطأت تتوب وإذا تبت عفى الله عنك، وليس لأحد أن يتسلط عليك أو يحاسبك في الدنيا فالحساب عند الله عز وجل، فكل هذه المعاني تكون إنسانا شامخا  قادرا على العطاء وبناء الحضارات،هذه الأخيرة التي لا يستطيع أن يبنيها لا الخائفون ولا الحزانى، ولذلك لما سئلت سيدتنا عائشة عن النبي (ص) قالت: ( كان هينا، لينا، بساما) أي أنه كان أرق الناس واستطاع بذلك أن يتحمل العبء، وقال المؤرخون في كتب السيرة: "وسع الناس بسطه وخلقه، حتى صار لهم أدب، وصاروا عنده في الحق سواء". كل هذه السمات تبين نوع الشخصية المطلوبة لبناء حضارة إسلاميةفهناك مشاكل في نظام التعليم، فالعقل تخلى عندما أنزل عن عرشه، وأصبحت الغيبية هي المتحكمة، فكيف تنهض أمة ونسبة الأمية فيها عالية والعقل والمعرفة فيها مغيبان..
 إصلاح نظامنا التعليمي من أولى الأولويات، والخطاب الديني يجب أن يكون خطاب تبشير قبل أن يكون خطاب إنذار، فالله تعالى وصف النبي (ص) بكونه بعث شاهدا ومبشرا قبل أن يكون نذيرا، وبهذا المعنى يسروا ولا تعسروا ، قربوا الأمور إلى الناس، فإن أشد الناس عذابا من سأل عن مسألة فحرم بسبب مسألته، فالمسلم الذي لايمشي مادا يديه ليحتضن الناس جميعا في إسلامه نظر.
 5ـ ما تقييمكم للمشاركة الغربية خصوصا مساهمة الباحثة المشهورة كارن أرمسترونغ؟
مشاركة فعالة، وأرمسترونغ جيدة وهي من القلائل الذين أنصفوا الإسلام وفهموه جيدا، وهي تدافع عنه دفاعا معقولا، فلا بأس عندي ثم إن من فوائد مثل هذه الندوات أن يستمعوا إلينا ونستمع إليهم حتى لا يعيش كلانا في وهم، ثم إن العزلة لم تعد ممكنة في الوقت الراهن، لم تعد أحد الخيارات المطروحة، لاهي متاحة ولا هي جائزة، ولنا في صلح الحديبية مثلا ناصعا في كيفية تدبير الأمور بحكمة ودراية.
 6ـ هل تتطلعون إلى الخروج بنتائج ملموسة يمكن اعتبارها بمثابة توصيات توجه إلى كل من يهمه الأمر؟
لقد وصفت هذا المؤتمر بأنه فرصة لإثارة الأفكار وتحريك الماء الراكد، ثم إن الموضوع يحتاج إلى بسط وتفصيل أكثرلمسايرة المستجدات المتلاحقة، نحن نعيش واقع العولمة واختلالا في النظام الدولي في إطار القوة الأحادية القطبية التي تأمر وتنهى كما تشاء، في ظل ذلك لا يمكن توقع تحقيق العدالة، بالإضافة إلى الهوس الديني وخيانة المبادئ الديمقراطية في أمريكا نفسها، ولذلك كنت ولا أزال أصف بوش أنه أسوء رئيس في تاريخ أمريكا وسيخلف تركة ثقيلة لخلفه القادم، أمريكا التي كنا نعرفها اختطفت وصارت رهينة ونحن ننتظر الإفراج عنها، والأمريكيون أنفسهم يشعرون هذا الشعور، لأنه شوه سمعة أمريكا في زمن قياسي.
 7ـ إلى أي حد يمكن تقييم مساهمة ماليزيا في قيادة وتوجيه العالم الإسلامي؟
ماليزيا تقوم الآن بدور جيد، حيث أنها أنجزت تقدما اقتصاديا وعمرانيا هائلا، ومن ناحية أخرى طرحها الجيد  لمشروع الإسلام الحضاري، لأنه في النهاية إسلام قائم على الحوار والمبادرة وليس على الانسحاب والعزلة، ومن جهة ثانية فهو يركز على الجوانب البنائية، وثالثا فهو يقدم صورة مشرقة عن الإسلام باعتباره حضاريا، وهذه كلمة حق، ولكنها يجب أن تضبط وتحدد، فأدوار الزعامة لا يجب أن تشغلهم عن الدور البناء الذي يؤدونه، فماليزيا نموذج جيد وتقوم بدور فعال، والمسلمون يستطيعون أن يكونوا معاصرين، وفي آداب الإسلام الحكمة لا ترتبط بزمان أو مكان، فالرسول( ص) روي عنه قوله " اطلبوا العلم ولو في الصين"، وفي مكان آخر: "الحكمة ضالة المؤمن"، فإذا التقطها فهو أحق الناس بها، فالمصلحة والحكمة إذن لا يرتبطان بزمان أو مكان.
 8ـ ماذا تقول عن نموذج التعايش السلمي والتعدد الثقافي في ماليزيا؟
ما لفت انتباهي بماليزيا هو أنه بإمكانك أن تشاهد مواطنيها من الأعراق الثلاثة في مكان واحد يتحدثون ويمرحون كل بلباسه وطريقة عيشه، الهنديات بجانب الصينيات  والمسلمات المحجبات، وفي الشغل والمؤسسات كل واحد يتفانى في عمله وإنتاجه، عكس ما هو حاصل في العديد من الدول الإسلامية، والرسول (ص) قال في خطبة الوداع: " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله "،إنها آداب نبوية بنائية تُصلح المجتمع.
لقد عرف الماليزيون كيف يوظفون مبدأ المواطنة، لأن الوطن للجميع وهذه من ميزات الإسلام، فأمامنا طريق واحد، لو أقللنا الكلام وأكثرنا العمل، وانشغلنا باصلاح أنفسنا عن إصلاح العالم البعيد، لو أدركنا أن الإسلام جاء رحمة للعالمين.
أعيدوا العقل إلى عرشه الذي أنزل عنه، أعيدوا احترام النفس التي حرم الله إلا بالحق، أعيدوا احترام القول، يقول الرسول (ص): " الساكت عن الحق شيطان أخرس"، ولا يضار أحد بسبب كلامه، هذه الحماية نقصد بها توظيف حرية التفكير والإبداع  والتنوع وبذلك ستغتني التجربة الإسلامية.
منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق