الأحد، 13 مايو 2012

لقد فار التنور في الجزائر

لقد فار التنور في الجزائر

2012-05-13

اذا كنت تعرف الجزائر، فلا يرقى ليقينك ادنى شك، بأن تدميرها أمر متعذر، بل يكاد يكون مستحيلا، وان كنت متابعا لحركة التاريخ القديم والمعاصر، فلا يمكنك بحال أن تتجاهل ذلك العامل المشترك بين أحقابه، وهو قناعة خصومها بضرورة تحطيمها، لأنها قوة أثبتت في كثير من المراحل خطورتها، لكن ومع كثرة المحاولات التي اتسمت بالقسوة والوحشية، لعل ما قبل الاخيرة منها كانت الاحتلال الفرنسي (1830-1962)، تبين للعالم أن الجزائر عصية على الانكسار.
غير أن خصوم الجزائر لم ييأسوا، وفي هذه المحاولة الاخيرة بعد اندحار الاحتلال ظاهرا، تعمل أياديه عبر سلطة غير شرعية استولت على الحكم بقوة السلاح والانقلاب عام 1962، على تحقيق هدفها، فبعد أن كانت الجزائر عبر عقود من الزمن الممون الرئيس لأوروبا، بالمواد والمنتجات الغذائية الرئيسية، وكان قمحها يتجاوز هذه القارة ليبلغ كندا والولايات المتحدة؛ كانت 12 عاما كافية لهذا اللانظام، حتى يسحق آلة الانتاج، ويعطل الاقتصاد، وتنقلب الجزائر عام 1975 بسياساته التدميرية الممنهجه، من على رأس قائمة الدول المصدرة الى رأس الدول المستوردة لكل حاجياتها.
و اليوم، بعد مضي ما يزيد عن نصف قرن من سلطته، نجح اللانظام في الجزائر من انتاج خامس أكبر مكب للنفايات، والابداع يكمن في اعادة رسكلة المكبات السابقة دون حاجة لنفايات جديدة.. وهذا يعتبر في حد ذاته أهم مشاريع القرن الواحد والعشرين في تاريخ الجزائر؛ وبهذا الانجاز يمكن القول: أنه لم تعد هناك مساحة شبر واحد في اكبر بلد عربي، يمكنك أن تضع جبينك عليها سجودا.. ليس من السهل على الاطلاق أن يتحقق هذا في عقدين من الزمن فقط وبهذه الفظاعة. لقد بات من حقنا اليوم، أن نفتخر أمام شعوب العالم، بثاني أطول طريق سريع موازي للأول، تتدفق عبره كل وسائل النهب والسرقة والفساد، ويشق كل جبال القيم والمبادئ والاخلاق، ويخترق بأنفاقه أشد مرتفعات الاعراف الاجتماعية صلابة، ويمد أطول جسور الخيانة العظمى.. انه فعلا انجاز تاريخي امشرفب لكل من ساهم فيه ودعمه، يربط بشكل وثيق، بين عمالة الامس ابان ثورة التحرير وعمالة اليوم، عنوانه الرئيسي االانتهابات الشر- عيه.'
لا يترجم موقف الكاتب دفاعا عن الاسلاماويين، ولا حتى تماهيا مع مواقفهم، ذلك أنهم يتحملون بذات الدرجة المسؤولية، هم أنفسهم من زكى قناع السلطة الفعلية (رئيس الجمهورية)، وهم الضلع الاعوج في الحكومة التي هيئت وأشرفت على هذه االانتهاباتب؛ وهم من جعلوا من احزابهم لباسا شفافا كلباس الحريم الداخلي، ليستروا به عورة اللانظام.
والحال أنه منقعر و الشريك عار مكشوف لا شيء يحجب مثالبه عن الشعب؛ وادعوا كذبا وبهتانا أنهم شاركوه ليكشفوا لنا مساوئه، فانكشفت سوءاتهم هم وسقطت عنهم أوراق الدين التي طالما استتروا بها، وازكمت أنف الشعب روائح فسادهم التي تجاوزت حدود الوطن، وضربت عليهم ذلة الشغف بالكرسي، ومسكنة الشبق نحو الجاه، وهانوا على الشعب بما كسبت ايديهم، وما بات ظاهرا على جباههم من أثر السجود للسلطان.
قد يقول القارئ كل هذا الكلام انشائي لا يقوم على منطق معقول؛ لكني أتساءل بين يديه: أي وجه سياسي اسلماوي، وبالأخص منهم من ساهم في حكومة الفضائح هذه، أيهم يترجم سلوكه السياسي والحزبي، الديمقراطية التي ينعق بها صباحا ومساء؟ أليس كلهم يعتبر الحزب ملكية شخصية؟ أيهم فرض على نفسه (قبل رفاقه) الانسحاب بعد عهدتين من رئاسة الحزب؟ لا أحد من كل هؤلاء، و حجة كل واحد منهم أن المجلس الاستشاري (الوهمي) أصر على بقائه الى الموت، ذات الحجة التي يعتمدها الرئيس وكل حكام العرب؛ من عينهم فخ-امته على مزاجه، وبنى بشخوصهم مؤسسات افتراضية على مقاسه، يصرون على خلوده؛ سحقا لهم جميعا وتبت أياديهم، العزاء في أن هذه النوعية من البشر الدجالين، فجروا ابداع الشعراء مثل هشام الجخ في قصيدته 'شعور سخيف'، والشاعر عباس جيجان في قصيدته 'مواطن اسمي سين'، فضلا عن أحمد مطر وغيرهم.
أذكر هنا القارئ بأن كل رؤساء الاحزاب - في الجزائر المنكوبة- التي نشأت عام 1988 أي ما يقارب ربع قرن، هم أنفسهم اليوم، اللهم إلا الذي زاره عزرائيل جبرا؛ كل الاحزاب الجزائرية التي تتغنى بوصف المعارضة، وجعلت منها بضاعة غير مزجاة ردها الشعب على وجوههم، تتسول بها بائعة ماء وجهها، كلها تدعو رؤوسها للتداول على السلطة، لكنها لم تبرح كراسيها ومقاعدها مذاك؛ بالله عليكم أي عاقل يصدق هذا الهراء؟ من لا يتبين هذه الحقيقة فإنما يراجع نفسه لأنه قطعا مصاب بعمى الالوان؛ وان واجهت هؤلاء الز-عماء بهذا الواقع الصافع، دعوك لأندلس فقد حوصرت حلب (الألز تعني لزوم الشيء).
أخيرا وليس آخرا، لقد حقق اللانظام في الجزائر ما عجز عنه اعداؤها من قبل، وتمكن من نــشر مرض االثلاسيمياءب على مستوى كل الطبــــقة السياسية والنخب، فقد ذكرت صحيفة االخبرب ان هذا المرض يتهدد 2 بالمئة من الجزائريين 12/05/2012 وهي النسبة التي تتشكل منها تلكم الطبقة، وللثقافة العامة فقط، هو مرض يعني فقر الدم، حيث يعدم الجسد القدرة على تكوين الكريات الحمراء، ما يترتب عنه الاعياء والفشل والتأخر في النمو، ويبقى المصاب به في حاجة الى نقل الدم دوريا مدى الحياة، وكل هذه الأعراض بادية اليوم بشكل صادم على جسد الجزائر المكلوم، لقد فار التنور في وطني وما من سفينة.
أعتذر للقراء الكرام - وطاقم القدس العربي مشكورا- أني خصصت هذا المقال كنفثه مصدور، ولهم علي ان كان في العمر بقية، أن أستعرض في المقال القادم خطاب (الرئيس) ووزير داخليته، ورأيي في الهوام الجدد لقبة البرلمان...طيب الله أوقاتكم.
اسماعيل القاسمي الحسني
' فلاح جزائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق