الجمعة، 11 مايو 2012

قصة المحامية العراقية لهيب نعمان التي اعتدى عليها عُدي صدام حسين حتى فقدت عقلها


قصة المحامية العراقية لهيب نعمان التي اعتدى عليها عُدي صدام حسين حتى فقدت عقلها


بعدما قتل عُدي كامل حنا طلب صدام من المحامية القديرة لهيب كشمش نعمان بالمرافعة ضد إبنه عُدي أثناء محاكمته بتهمة القتل هذه إلا أن المحامية لهيب رفضت ورجت صدام أن يعفيها من هذه المهمة فكرر صدام طلبه ثم أمرها وأجبرها وهناك من يدّعي بأن صدام كان لا يؤذي إلا أولئك الذين يتدخلون بالسياسة أو يتكلمون ضده أو يخالفوه والمحامية لهيب لم تك لتتدخل بالسياسة أو تتكلم ضده أو تخالفه.

وجاء يوم محاكمة عُدي ووقفت لهيب ضد عُدي أثناء المرافعة وسببت في إدانته بجريمة قتل كامل حنا وبعد المحاكمة أدار صدام ظهره لها واستلمها عُدي ليعاقبها على فعلتها فاعتدى عليها وعذبها بطرق لا يمكن ذكرها ورماها في المجاري المائية وبالتالي حقنها بإبرة في رأسها أدت الى فقدان عقلها وأصبحت مجنونة تماماً وكانت تتمشى في شوارع مدينة الغدير في بغداد هيئتها يرثى لها وترجع في الليل لنفس بيتها الذي امتلكته قبلما تجن لتنام مع قططها ويروي جيرانها بمدينة الغدير بأن عُدي لم يرمِها لأسوده لأنه أراد لها الإهانة المستمرة التي هي أسوأ من الموت وأيضاً أرادها أن تبقى لتُذكِر الآخرين بقسوته لتكون عبرة لهم.

حين زرتُ بغداد عام 2004 سكنت قرب مدينة الغدير وراقبت لهيب عن كثب وقد وصف أهل المنطقة المحامية لهيب قبل الجنون بأنها كانت شابة جميلة ومثقفة وأنيقة للغاية ويعرفها جيداً العاملون بأرقى صالون شَعَر في الغدير ويروون بأنها كانت زبونة مستمرة تتردد على الصالون لتصفيف شعرها عدة مرات في الأسبوع وكانت لهيب بعد الجنون تتردد على نفس الصالون لتضع يديها على شباك الصالون وتحركهما بطريقة تفقدية كأنها تبحث عن شيء قد فقدته في هذا المكان وبقيت مهووسة بالأناقة وتزين نفسها رغم فقدان قدرتها على التفكير المتوازن فكانت مثلاً تضع حُمرة الشفاه على جبينها وفوق عينيها وتصّر على لبس جواريب نايلون طويلة «كولون» ثم تلبس فوق الجوارب شورتز قصير ممزق الأطراف وفي شعرها حبّاسات وورود.

طلبتُ من العاملين بالصالون أن يغسلوا لها شعرها ويصففوه لكنهم رفضوا وقالوا أن لا جدوى من ذلك لأننا قد قمنا بذلك عدة مرات في الماضي وهي تعبث بشعرها ووجهها من جديد وأضافوا بأنها أكثر من مرة قد وعت وكادت أن تشفى لكن الجنون عاد ليخيم عليها من جديد بسبب ظروفها القاسية ولم يصغ إليها أحد قبل 2003 خوفاً من أن تروي لهم قصتها ويعدمهم عُدي وكان بعض الخيِّرين يسلموها الطعام دون نطق كلمة معها.

شاهدتُ لهيب تتمشى وبيدها قطف سيكارة وتقضي طوال النهار في عمل واحد مضني وهو شحذ السكائر من أي كان وقد راقبتها طويلاً ولعدة أيام وحين حاولت الكلام معها برقة إكفهر وجهها وأنتهرتني وقالت «أدبسز عيب قلة أدب ... يلّه» فابتعدتُ عنها وفي يوم آخر رأيتها تشحذ سكائر من بائع السكائر فطلبتُ منه أن يعطيها كارتون سكائر كامل فأدارت ظهرها اليّ بكل أدب ورقة وخجل وقالت وهي تضع يدها على فمها وبلهجة مسيحيي أهل بغداد «ميغسي، وِلي، ميغسي، أشكغكي» وقلت لها باللهجة الكلدانية «لهيب دِخيوَت عززتي» وأحسستُ بأنها في عالم آخر لا تراني شخصياً بل ترى أناساً مُحسِنين من ماضيها تذكرتهم حين قدمتُ لها حسنة فقالت «رَنْدِه» وبدت عاقلة في تلك اللحظات ولهذا استنتجت بأن الأمل في شفائها لم يكن مستحيلاً وربما كانت بحاجة للمزيد ممن يحسن إليها كي تشفى.

إن ما قام به صدام وابنه ضد لهيب هو مثال واحد لما صنعه هؤلاء المجرمون ضد المسيحيين وضد العراقيين كلهم تُرى كم لهيب موجود بمقابر صدام الجماعية؟ أخذتُ تكسي وذهبت الى نقابة المحامين بمنطقة ذاك الصوب في بغداد لأطلب منهم إيجاد حل للمحامية لهيب وقابلني عدد من المحامين ثلاثة منهم نطقوا كلامهم بطريقة لم أفهمها بسهولة «لغلغه» وبدا عليّ الحرج ففتح أحدهم فمه ليريني لسانه الذي قد قطعه صدام وألسن عدد آخر من المحامين الذين أثاروا مسألة حقوق الإنسان ولم تُجدِ رحلتي لنقابة المحامين وقالوا حينها بأن إمكانياتهم محدودة وقال أحد المحامين المسيحيين هناك بأن صدام كان يحب المسيحيين فقط كخدم مأمورين ليس إلا ولم يكن كامل حنا أو لهيب الخادمان المأموران الوحيدان له حتى طارق عزيز كان خادماً مأموراً ولم أتفق معه على ما قاله عن طارق عزيز لأن عزيز تسلق على أكتاف الآخرين لأجل الصعود ثم الوصول الى المناصب وباع عزيز نفسه حين انضم بنفسه لحزب البعث العربي ثم باع دينه حين أسلمَ ثم باع وطنه العراق حين استمر في خدمة عصابة صدام.

يُقال أن للمحامية لهيب عشرة أخوة وأخوات في أمريكا لا يتصلون بها وأختين في العراق بدون زواج خاف الناس من الإقتران بهما وكان يجب أن لا تقضي لهيب بقية عمرها مُهانة في شوارع بغداد خاصة بعد زوال عصابة المُجرمَين صدام وابنه ولكن بقيت المحامية القديرة لهيب كشمش نعمان مُهملة الى أن وافاها الأجل قبل عامين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق