الأربعاء، 16 مايو 2012

حوار مع فائز الحداد



حوار مع فائز الحداد
شاعر الثلاثية المقدَّسة والـ "مدان في مدن" – مقدّمة
 أ. د. إنعام الهاشمي (حرير و ذهب)
       
لعلَّ القارئ قد اطَّلع على البعضِ ممّا ترجمتُه عن الإنجليزيَّة للعربيَّة  من الأدب الإنجليزي والأمريكي لعددٍ من مشاهيرِ الشعراءِ  أذكر منهم على سبيل المثال أدغار ألن بو، هنري وادسوورث لونغفيللو، مايا أنجيلو ، وآخرين.  وربَّما اطَّلع القارئُ أيضاً على بعضِ ما ترجمتُه من العربيَّة للإنجليزيَّة من النصوصِ لشعراءَ معاصرينَ ممَّن نلتقيهم ونلتقي نصوصَهم على المواقِع التي اعتدنا المرورَ عليها والنشرَ فيها ممَّن لم تتهيَّأ لهم الفرصةُ لبناءِ علاقاتٍ خارجيَّة تسمحُ باطِّلاعِ الغربِ على  إبداعاتِهم بسببِ العزلةِ التي يعاني منها الأدباءُ العربُ المعاصرينَ، وفي العراقِ على الأخص، وبسببِ ندرةِ المترجمينَ إلى اللغات الأخرى أو ضعفِ إمكاناتِهم اللغوية؛ أما المستشرقونَ  فما يصِلهُم من الأدبِ العربيِّ تحدِّدهُ شهرةُ الكاتِبِ خارجَ حدودِ البلادِ العربيَّةِ، ولهذا تقتصِرُ ترجماتِهِم في معظَمِها على المخطوطاتِ القديمةِ والقلة من المحدِثين؛ لذا فقد أخذتُ على عاتِقي اختيارَ مجموعةٍ من النصوصِ الشعريَّةِ مما رأيتُ أنَّ القارئَ الغربيّ لن تتاحَ لهُ الفرصةَ للاطِّلاع عليها رغمَ قيمتَِها الجماليَّة والفكرِيَّةِ وقمتُ بترجَمَتِها ونشرِها.
آخِرَ ما ترجَمتُه كان الثلاثيَّة المقدّسة لفائزِ الحداد والتي احتوَت على ثلاث قصائدَ تتناولُ المفاهيمَ القدسيَّةَ بأسلوبٍ يتَّسِمُ بالمجازيَّةِ العلمانية التي يستعملُها فائز الحداد بتفرِّدٍ حداثيٍّ يبشِّرُ باجتيازِ الشِعرِ مرحلةَ ما بعدَ الحَداثةِ والمضِيّ في المرحَلةِ الجديدةِ التي تَّتفِقُ وروحِ الألفيَّةِ الثالثة.. وقد بذلتُ جهداً إضافيّاً لدِراسةِ قصائِدَ الثلاثيَّة التي تضمَّنت  "يوسُف" و "المجدليَّة" و "كأنّي أقبِّلكِ في الصلاة"؛ وقد كتبتُ مقدِّمةً فيها نُشِرت في عددٍ من المواقعِ في الانترنيت كما طُبعت ووُزِّعت على عددٍ مَن الأدباءِ والشعراءِ الذينَ حضروا  أمسِية أدبيَّةً كانت قد أقيمَت للشاعِر فائز الحداد في دمشق بمناسَبةِ  صدورِ ديوانِه الأخير "مدان في مدن" الذي كتبتُ دِراسةً عنه نُشِرَت أيضاَ في عددٍ من المواقِعِ في الإنترنيت.
 أدرج أدناه الروابط،  كما أقتطفُ بضعةَ نقاطٍ مما جاءَ في الدِراسَةِ أدرجُها في آخر الرسالةِ هذه.
بعد  نشرِ آخرَ قصائِدِ الثلاثِيَّةِ المقدَّمةِ في الإنترنيت تم الإعداد لنشرِها في كِتابٍ يحتوي الأصلَ العربيَ مع الترجَمةِ الإنجليزية  لها وللدِراسةِ المتعلِّقةِ بها ودراساتٍ أخرى عن الشاعِرِ فائز الحداد،  وبذا  نقدِّمُ خِدمة للقارئ العربيِّ وللمستشرقينَ والقارئ خارجَ حدودِ اللغةِ العربيََة.  
 وأثناءَ التخطيطِ للكتابِ المذكور الذي نأمل أن يكون في متناولِ يد القارئ العربيِّ وغير العربيّ ، وردت فكرةُ إضافة حوارٍ بين  شاعِر الثلاثيَّة المقدَّسة مع نخبةٍ من الأدباءِ والكتّابِ في العالَمِ العربيّ يتمثِّل بإجاباتِ الشاعِرِ على الأسئلةِ التي تُوجَّهُ له من قِبَلِ النخبةِ التي وَقَعَ الاختيارُ على المشارِكينَ فيه وقدمت الدعوة لهم  للمشاركة... وقد جاءَ الاختيارُ بناءً على مراجَعَتِنا للنشاط الأدبيّ والفكريَ للأديب المشارك ولاعتقادنا  أن مشاركَته من شأنِها أن تقدِّم إسهاماً  في ثراءِ الحوارِ وتقديمِ الصورَةِ المثلى للأديبِ المثقَفِ والفِكرِ الذي نودُّ إطلاعَ القارئِ العربيِّ وغيرِ العربيِّ على مَدَياتِه.
. وقد كانت الاستجابةُ للدعوةِ  مذهلةٌ، وتنوعُ الأسئلةِ يدلُّ على الثقافةِ العاليةِ التي تتمتَّعُ بها النخبةُ،  وإجاباتُ الشاعِر القديرِ فائز الحداد ولا شكَّ ستكونُ ضمنَ المراجِع المعرِفيَّةِ للقارئِ العربيِّ وقارئِ الانجليزية،  كما يمثِّلُ إشارة ًواضحةً إلى عمقِ ثقافةِ الأديبِ العربي.
سوف يتم  نشرُ الحوار في حلقاتٍ متتالية في الإنترنيت، وبالتخصيص موقع "النور"  وقد نعيد نشر بعض الحلقات في مواقع أخرى، ومن ثمَّ  يتم اقتطاعُ أجزاءٍ من الحوار لتظهرَ باللغتينِ العربيَّة والإنجليزية،  إضافةً إلى نبذةٍ عن  كلٍّ من الكتّاب المشاركين في الحوار ضمن الكتاب؛  وبذا  يتحقَّقُ تعريفُ القارئ غيرِ العربيِّ  بثقافةِ واتِّساعِ أفق الأديبِ العربيّ المتمثِّل بالنخبةِ  إضافةً إلى الشاعِرِ نفسِه.
"لك وجعي .. العراق ..
تميمة حب مثقبة الجنان
أحملها على خريطة وسخة ..
صيّرتها المسابح قبورا مرقطة"
(فائز الحداد)
 فمن هو فائز الحداد؟؟
فائز الحداد شاعرٌ يكتبُ بمدادِ روحِهِ ومعانِيه لا بصنعَةِ حروفِهِ وقوافِيه!
ولد في مدينة الفلّوجة وَسَطِ العراق وفي أواسط الخمسينات من القرنِ الماضِي في هذا الجيلِ الذي يحقُّ لنا أن نسمِّيه الجيلَ الذهبيّ؛
درسَ العلومَ السياسيَّة في جامعةِ بغداد؛
كتبَ الشِعرَ العموديّ في سنٍّ مبكرةٍ، وأوَّل قصيدةٍ عموديَّةٍ نُشِرَت له وهو في سنِّ العشرين، ولكنَّه ، حسبَ تعبيرِه، هجرَ  سجنَ العروضِ ورياضيّاتِ البحورِ صوبَ القصيدةِ الحديثة ؛
له  العديدُ من الإصداراتِ آخرها "مدان في مدن"
كتبَ العديدَ من الدراساتِ في الشعرِ والأدَبِ و لديه العديد من المخطوطاتِ النقِديَّة والشِعريَّة التي تنتظِر الطبع .
يقولُ عن نفسِه:
" هو ميتٌ على قيدِ حياةِ الشِعرِ
هو كسيرٌ لكنَّه صلِفُ المشيمةِ
يتماسَكُ مثلَ زجاجةٍ متصدعةٍ
أو .. كموسٍ في حنجرةِ صائِمٍ
فانكسارُه حادٌّ جدّاً ..!"
****
وما ذا يميز شاعرية فائز الحداد؟
في دراستي لشعر فائز الحداد أشرتَُ لبعضِ ملَكاتِه التي تمكِّنُه من أن يقفَ بثقةٍ في طريقِ التميُّزِ الذي عُرِفَ به ويسيرُ فيه بخُطىً ثابتة ومنها:
معرفَتُه وإحساسُه الخاص بجرَسِ الكلِمةِ والإيقاعاتِ الداخليَّةِ للجُملةِ الشِعرِيَّة، وهذا نابعٌ من كونِهِ متذوِّقاً للموسيقى وملمَّاً كلَّ الإلمامِ بالمقاماتِ الموسيقيَّةِ التي تحكمُها،  إضافةً إلى كونِهِ عازفاً مُجيداً لآلةِ العود؛ وهو حين يكتبُ جُمَلَه الشِعرِيَّةَ إنَّما يصغِي لمَشورَةِ أذنِهِ وإحساسها الموسيقيّ.  هذا إضافةً إلى إلمامِه الكامل بالبحورِ الخليليَّة،  فقد كَتبَ الشِعرَ العَمودِيّ في سنٍّ مبكِّرة قبل انتقالِه عمداً إلى حرَّية الشعر واختلافِه ليقودَ مدرسةً جديدةً في هذا المِضمار.
تمَكُّنه من اللغة ِالعربيةِ ومفرداتها يمكِّنُه من التلاعُب بالمفردةِ وتطويعِها ببلاغةٍ فائقةٍ لصياغةِ الصورة ِالاستعاريَّة التي يضمِّنُها المعني المقصودَ وتجسيدِ الفكرة التي يرغب إيصالها للقارئ في قالبٍ شعريٍّ متكاملِ البناءِ وخالٍ من الحشوِ اللغوي المكرَّر والمباشَرةِ الممجوجة، وبأسلوبٍ سلسٍ ، وفي الوقت ِ ذاته لا يخلو من التعقيدِ والغموضِِ المحبَّب الذي يرسل بالفكرِ محلقاً في عددٍ من الاحتمالاتِ دونَ إجهادٍ كبيرٍ ودونَ أن يشطَّ بعيدا عن الحيِّزِ الذي أرادَ الشاعرُ أن يرسلَ بِه إليه. بلاغةُ التعابيرِ وتركيباتها تتغلَّبُ في شعر فائز الحداد  على التعقيد فيها،  وقد اكتشفتُ ذلك عند ترجمتي لقصائدِه وأوَّلها قصيدةُ "الجنرالة" التي نُشرت في صحيفةِ المثقف مع مقدّمة تحليليَّة لها، وكذلك في ترجمتي لثلاثيتِه المقدَّسة التي تضمُّ ثلاثَ قصائدَ يطوفُ  فيها الشاعرُ ما بين الذاتِ والحبيبةِ والرموزِ الدينيةِ والتاريخيةِ بالمغزى الذي يرسمُه هو لها.  وجدتُ أنّه على خلافِ الشعراءِ الآخرين الذين يتلاعبونَ بالمفردةِ بشكل لغويٍّ بحتٍ مما يضعفُ القصيدةَ في الترجمةِ إلى حدِّ الهزال، فهو يطوِّع المفردةَ لتعميقِ المعنى مما يعطي الترجمةَ القوةَ التي أرادها أساساً  لصورِه الشعريّة، شريطةَ أن يتعمَّقَ المترجمُ مع المفرداتِ والجملِ الشِعريَّة  و يغوصَ كصيّادِ اللآلئ في عمقِ معانيها.
امتلاكُه ثروةٍ ثقًافيةٍ وتاريخيةِ  تمكِّنه من استعمالِ رموزٍ تاريخية لها دلالاتها المتميزة في سياقِ قصائِدِه مما يجعلُ فهمَها لمن تقصرُ ثقافتُه عمّا لدى فائز من ثقافةٍ  في حين يدركُ من يوازيه ثقافةً عمقَ معانِيه وترميزاتِه.
امتلاكُه الجرأةِ الأدبيّةِ لاقتحامِ تعابيرَ قد تمثِّل تحدِّياً للمعتقدِ السائدِ وكسرِ التابوات التي لا يجرؤ الكثيرُ من الشعراءِ  التقرُّبَ منها ويكتفونَ باللفِّ والدورانِ حولَها باستعمالِ تعابيرَ كلاسيكيَّةٍ تحيلُ نصوصَهم إلى هياكلَ خشبيَّةٍ لا نَسغَ فيها رغمَ الزخرفاتِ والنقوشِ التي تحتويها.
 أملي أن يعطينا الشاعر فائز الحداد من خلال هذا الحوار نظرة شاملة في  تجربتِه الشِعريّةِ الحديثةِ والأسسِ التي يقِفُ عليها بنيانُها، فهناك الكثيرُ من الخفايا ومحاورُ الاختلافِ بينها وبين ما سبقَها من التجاربِ التي على أساسِها استحقَّت أو تستحقُّ أن تسمّى مدرسةً والتي قد لا يراها الناقدُ بمحدوديَّة معرفتِهِ بمثلِ هذه التجربةِ أو بحكمِ ولاءاته للسائِرِ والمُعتاد.
يقولُ فائز الحداد نفسه: "لا خيرَ في شاعِرٍ لا يستطيعُ الدفاعَ عن مشروعِه !"
وهذه فرصتُه ليقولَ كلمتَه و فرصُتنا لكي نرى تجربةََ الشاعرِ من منظارِه!
حرير و ذهب (إنعام)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق