الخميس، 10 مايو 2012

طعامهما خبز ولبن وماء ومسكنهما كوخ هش مصطفى وخيرة لا يعرفان ''العزة والكرامة''


عندما دعيت  إلى زيارة دوار ''عين قوبع'' ببلدية عزيز في جنوب ولاية المدية لم تكن تظن، ولو للحظة، أنها ستصادف في هذا ''الربع الخالي'' من ريف هذه الولاية الشاسعة مواطنين يحملون الجنسية الجزائرية، ويعيشون في بلاد استقلت قبل 50 سنة رفعت
شعار ''العزة والكرامة'' في وجه ''البؤس والإذلال''.
إنها قصة حقيقية لمأساة حقيقية تعاني منها عائلة تقطن ريف المدية المنسي.. ومكونة من السيدة خيرة جعدي، 65 سنة، لم تكن تملك الشجاعة الكافية لتتحدث إلينا، إلا أننا عندما دخلت فجأة بمعية مرافقي نور الدين، كوخها الهش في أعالي دوار ''عين قوبع''، فتحت لنا الباب بحياء كبير، تاركة لتقاسيم وجهها وصورة المكان تتحدثان نيابة عنها.
''ما عساني أن أقول لكم.. كل شيء يعبر عن نفسه ولا يحتاج إلى تعليق، هذه هي حياتي، هنا أنام واكتفي بما يجود به علي محسنون من المنطقة''. وتضيف السيدة خيرة: ''في أحسن الأحوال، لا نجد غير احتساء اللبن أو الماء مع قطعة خبز..''.
من يقف أمام هذه المرأة الصامدة ينهار في ثوان من هول ما يشاهد من ملامح الفقر والفاقة القاتلة.. بل إن الكثير ممن يأتون إلى هذا الكوخ في هذه القرية المنسية لن يقدر على الصمود طويلا، دون أن تنهمر دموعه أنهارا من شدة التأثر.. إنها مشاهد لا تكاد ترى إلا في صور وأفلام أرشيف الثورة، أيام سنوات الجمر والإذلال تحت أقدام المستعمر الفرنسي.
المكان هنا مظلم وموحش، ولا يصلح ليكون زريبة للحيوانات الأليفة، فما بالك بالبشر. يقول أحد أقارب السيدة خيرة: ''إنها تعيش وحيدة في هذا الكوخ رفقة ابنها المعاق مصطفى، بعد أن غدر بها الزمن في أواخر سنوات عمرها، إثر فراق ابنها البكر بوزيد، 28 سنة، الدنيا بسبب المرض، حيث وجدت نفسها، ودون سابق إنذار، تودع إلى غير رجعة زوجها ''النايلي'' في العام 2006، الذي كان ركن الأسر الركين وسندها الداعم في السراء والضراء، بعد عمر تقاسما خلاله المر والحلو ونوائب الدهر''.
يروي محدثنا: ''لقد توفي زوجها النايلي بسبب الفقر، ووضعيته الاجتماعية المتردية التي لم تسمح له حتى بزيارة الطبيب وصرف نفقات وصفة الدواء، لتجد السيدة خيرة نفسها اليوم وحيدة، بعد أن فقدت يدها اليمنى في حادث منزلي تعرضت له قبل ثلاث سنوات، متأثرة بنوبة صرع أسقطتها على موقد ''الكانون'' المتوهج نارا''.
اليوم، السيدة خيرة تعيش وحيدة ومسكونة بأوجاع غربة الزمان والمكان.. فلا أحد يسأل عنها أو يتفقد أحوالها.. الحيرة والخوف يلازمانها.. لا تعلم، رفقة ابنها مصطفى الذي جاء لهذه الدنيا بإعاقة ذهنية، ماذا ينتظرها غدا، باستثناء بعض ما تجود به أيدي أهل الدوار، والتي في الغالب ما تكون عبارة عن كيس من السميد والبقوليات التي تواجه بها الجوع.
عندما همت ''الخبر'' بمغادرة كوخ السيدة خيرة وابنها مصطفى، سألتها عن أمنية لم تتحقق بعد، فأجابت: ''أبحث عمن يستطيع الأخذ بيدي ويساعدني على عيش ما تبقى لي من عمر في هذه الحياة، من أجل التكفل بابني مصطفى، وبيتا سقفه متين يأوينا ويحمينا من انهيار الكوخ ذات يوم لا نتمنى أن يأتي
المصدر الخبر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق