الأربعاء، 16 مايو 2012

لما أنت متعبة أيتها النفس الطيبة


لما أنت متعبة أيتها النفس الطيبة؟/ ألأرض جدائلها سنبلة وأثير/ تحاكيك بكثير.../ من الحب والألفة.../ تُراعيها فتصير .../ أنشودة وهديرا/ دفئا رفقا...وتحاسينا/ يا نفسا تشبهها ...لما انت حزينة؟/ لما أنت متعبة أيتها النفس الطيبة؟/ نامي على أكتاف الليل مطمئنة ...
أنت من أنت؟/ فراشات سابحات في الآفاق/ وأنت بسمة الأشداق.../ لما أنت متعبة أيتها النفس الطيبة؟/ وحائرة.../ وكأنك تعبرين سفرا طويلا ../ وغريبة.../ وقريبة.../ من الأبد.../ أنت الملفوفة بالزنبق والرونق/ تدركين أنك الناي المبحوح .../ يطلع من جذع زيتونة.../ فلا تتركي الوادي قبالتك / واركضي اليه .../ فسميتّك نفسا طيبةّ/ لم يكبر جرحك بعد.../ فحاضرك وعد...
أتسمعينني في هذا الصخب / والريح تدوّي لهب.../ أحببت فيك حيرة اللون والكون.../ وبيادر الحنطة في مهجتك.../ ان كنتِ أنا أنتِ...وأنت أنا / فلنا...موعد لطريق سنسلكه.../ ينتظرنا هناك عند قارعة الطريق.../ لما أنت متعبة أيتها النفس الطيبة؟/ لا أحد يحّن الى وجعه.../ بل الى فرحه.../ الى عناوينه المدّونة في الهويةّ وخارجها.../ أيا نفسا تطير أبعد من الحسّون...في الأقاصي/ لم يسحرك الغياب.../ تبقين مكانك...وتحدقين الى البعيد البعيد/ تواصلين السير هادئة.../ فوقك سماء وصفصافة لاهية.../ وانت تسترقين النظر .../ تبحثين عن اللا حدود...
في جمال حلمك... وتحرسينه/ انهضي من هذه الكلمات .../ وانظري في مرآتك.../ أنت هي النفس الطيبة

وشاركت لبنى بقصيدة أخرى بعنوان أكـاد أن أقــول
أكاد أن أقول/ لا أتمالك التبدل/ بخفة الفصول/ في سيرها الطويل/ وتعزف الرياح جلاجل الرعوم/ وفي مراع خضر/ سحرك البرعوم/ تضمني خيوط الشمس/ أكاد أن أقول/ للسنبلة شقيقتي/ وطيفها المجدول/ تساقط الأوراق يبعثرني/ يضل المركب العودة/ أكاد أن أقول/ تتملكني الكلمة/ في ثوبها الفضول/ تداوي الضغينة... تزين السكينة/ وقبة السماء... وساحل العقول/ تمدن المغول/ والفكرة الرفق بالحيوان/ يا أيها الإنسان/ يا أيها الحمول/ نشرة اليوم ضحية وواحدُ مقتول/ لا جانح معقول/ أكاد أن أقول/ من حرقتي ... من حرقتي/ ليوقفوا الزمان / تبدل الفصول/ وكلنا سواء/ فأمطري وأمطري/ وأمطري الحلول/ وساعة الهطول/ تقرع الطبول/ ورقصة الخيول/ وتكبر الأحلام/ حدودها الفلك/ يا فرحة الأنام/ لا وجع مقيت/ لا كثرة الآلام/ وجوقة الطيور/ حناجر الطيور ... رخيمة/ نغمة السلام/ يرفرف الحمام/ يا أبا الحناء/ حلفتك ... حلفتك/ لون السماء/ لحظة في غاية الجمال/ تجهم السؤال/ ما هو مصيرنا/ مصيرنا المجهول؟/ أكاد أن أقول
  
واختتمت الأمسية الكاتبة والإعلامية الفلسطينية سناء بدوي أبو الرب، من مواليد مدينة جنين بكالوريوس علوم سياسية وصحافة، انشأت مؤسسة جفرا للصحافة والإعلام في جنين في العام 1990، ونشر لها عشرات التقارير حول الوضع الفلسطيني، وتعمل منذ عام1996 في محافظة جنين مديرة العلاقات العامة والإعلام، ومديرة برامج لمركز آراء للدراسات والأبحاث- جنين، منذ تأسيسه في نيسان 2006. كتبت القصة القصيرة، وقصص الأطفال، والمقالة، والخاطرة وقصيدة النثر، لها مجموعة قصصية تحت الطبع تحمل اسم "شواهد"، وكانت عضو مجلس بلدية جنين 2000-2005، وعضو نشط في العديد من اللجان والفعاليات والهيئات التطوعية الوطنية المختلفة، والحركة النسوية الفلسطينية.
فتقول للذين أفاقوا على مجزرة جديدة نفذها إخوة الدم:
في بلادنا التي سئمت رائحة الزعتر/ ومرت عليها المناسبات تتعثر/ خطوات اطفالها/ بين اليأس و بشاعة المنظر/ تتساءل العبارات عن فحوى البلاغة/ وجدوى الخطابة في سوء المحضر/ وعن الأمل الذي ساقوه الى المقصلة/ ومدوا رقبته نحو الذبح وتفجر
في بلادنا صار الصبح ينتظر نزالا/ بين الاخوة من غير الامهات/ فمستحيل أن يكون نزال الصبح بين الأشقاء/ وما عهدت ارضنا يوماً فجراً بهذا البلاء/ أيقتل الاخ أخاه ../ باسم دين بريء من كل هذا الهراء/ فالمساجد التي سجدت على أرضها/ جباه غر/ مستحيل أن تكون من تلك الجباه/ فجباه الذين قتلوا فجرا أخوتهم/ غدرا .. وبدم بارد/ تلك الجباه ما تلك الجباه
بلادنا التي تقتل اولادها/ وتزين لشيطان السلاح والكفاح/ والصولجان ما ليس مباح/ مستحيل أن يكون من جلدتنا ذاك النكاح؟؟!!/ ولا تلك البيارق التي غزت قبل الصبح/ بيوت الناس وبشعت في السفاح/ كيف تواري أمهات / انجبت جناة بتلك القساوة وجهها/ كيف يلاعب اطفالهم/ أطفال من غرق آباءهم بالدماء ؟؟!!
سلام عليكم أيها العابرون زمننا/ سلام عليكم ايها الناجون من صمتنا/ سلام عليكم ايها الغائبون عن بؤسنا/ وسخطنا وقهرنا وموتنا/ سلام عليكم تصبحون على وجعكم/ ونصبح نواري وجهنا
وقلبنا وفكرنا/ ونمسي بين سؤال وسؤال/ حيرته أجوبتنا/ نتفقد جباه غير جباه/ ووعد بالنصر صار أبعد عن نصرنا ِ
وسردت قصة بعنوان سرّ امرأة:
جارتنا التي تسكن مقابل بيتنا أربعين عاما، أصبحت مع العشرة والود كأحد أفرد أسرتنا الممتدة، حتى أننا نناديها بتحبب "خالتي". وخالتي هذه كانت من قرية بعيدة عن المدينة حيث سكنتها بعد الاحتلال الإسرانيلي في العام 1948، حملت معها ذكريات الحرب والتهجير وأحلام العودة إلى تلك القرية المدمرة، فبدت دومًا في غاية الصلابة والصمت، وعلى الرغم من التحفظات التي كانت تبديها خالتي هذه في أمورنا الخاصة، إلا أننا اعتدنا على مصارحتها بكل صغيرة وكبيرة في أمورنا العائلية، حتى أبي ذاك الشيخ والوقور، كان يناقشها في أمور الحياة العامة والدين والتجارة، معتمدًا على صلابتها وإحساسها بالمسؤولية. فقد عرف الجيران عنها سعة الإطلاع وسرعة البديهة وكذلك قوة الشخصية، وهو ما ورثته لبناتها قبل أبنائها.
وأذكر تلك الليلة التي دخلت فيها جارتنا حالة النزاع، وتحلقنا حول سريرها نقرأ القرآن وندعو لها بطول العمر، ورحمة من الله. ولأن جارتنا كانت قد شبعت من الحياة وبلغت من العمر عتيًا، لم تُبدِ أسفًا على ترك الدنيا، وكان تقبلها لساعة الموت يحمل في طياته الإيمان والزهد وقوة الشخصية التي عرفت فيها طيلة أيام حياتها.
والغريب في الأمر، أنها أمسكت بردن ثوبي وشدته نحوها، فيما أشارت للآخرين بالخروج، فظننت أنها تريد أن تملي علي وصيتها، فطلبت ورقة وقلم.
جلست بجانبها وسألت: نعم يا خالتي؟
قالت والدمع يجري من مقلتيها: لا أريد أن أوصي، وصيتي يعرفها الأبناء، إنما أريد أن أخبرك عن سر في داخلي كتمته ستين سنة.
شعرت بأهمية الحديث وضرورة التركيز معها ، وأومأت برأسي كي تستمر في حديثها خوفًا من أن يداهمها ملك الموت قبل تبوح لي بما لديها من سر .
قلت: تفضلي كلي آذان صاغية ولكن براحتك، لا تتعبي نفسك.
لكنها كانت أحرص مني على إفشاء سرها الذي ربما يضغط على قلبها منذ فترة.
قالت: كانت ابنة عمي (نضال) في سني حين كنا صغيرتين، حينها كنا نسكن إحدى قرى حيفا كما تعلمين، لكنها أخطأت بحق نفسها وجلبت العار للعائلة جميعها، واعتبرت نفسي حامية لشرف العائلة، إذ كيف أبرر ما فعلته (نضال) التي تكور بطنها، وصارت تشكل نقطة ضعف في العائلة، وأمر يمس شرفها وشرف بناتها جميعًا، فأخذت أفكر بماذا ستقول العائلة عني بعد فعلتها وأنا التي كنت صديقتها ومقربة إليها، ولم أشأ أن يقوم رجال القرية بقتلها والتخلص من عارها حتى لا يتعرضوا للسجن، وحين كنت أبدي قدرًا من الشجاعة، وحتى نبرهن نحن السيدات على حرصنا وعفتنا فكرنا وخططنا للتخلص منها .
وفي ليلة كنت و(نضال) نجلس في الدار لوحدنا، قلت لها بأن عليها التخلص من عارها بيدها، ورغم بكائها وحزنها أحضرت الجاروشة ووضعتها على بطنها علّ الجنين يموت أو تهلك فتموت هي الأخرى وجرشت صاع قمح ، ونضال تتألم دون أن تحاول إيقاف حركة يدي، حتى أن تألمها لم يكن ليظهر مع صوت الجاروشة ومرت ساعة دون جدوى .
وفي المساء ، حين خططنا أنا ونساء العائلة أن أقوم بقتل (نضال) وهي نائمة، نمت إلى جانبها وأنا أبكي بصمت وعيناي محدقتان في سقف الغرفة أتذكر(نضال) البنت المؤدبة والصديقة العزيزة والنشيطة وحبها للحياة، ولكن كل هذا التعاطف معها كان يتبخر من رأسي حين أتذكر فعلتها، ولم تكن (نضال) تعرف بالذي قررناه وأخبرتها فجأة وطلبت منها أن تسامحني.
وأذكر ردّها: "أنا لم أقد نفسي للتهلكة، ولم أدنس شرف العائلة، هناك من دنسه من هذه العائلة غصبًا عنّي".
غضبت حينها وقلت: "أنت من يوم فعلتك تتهمين العائلة؟! مَن العائلة؟"
ولكن دون جواب أو اتهام لأحد ردّت: غدًا لا بدّ أن يظهر الله الحق .
: أي حق وأنت التي تملكين حق وواجب الدفاع عن شرفك أولا؟
قلت لها هذا وكان همي في تلك الليلة أن أتخلص منها، وقبل أن يطلع الفجر أخذت سكينًا، انشغل الرجال بسنها يومين وغرستها في بطنها، وهي غارقة في صمتها وألمها.  وحين تأكدت بأن روحها قد فاضت إلى باريها سقطت عليها وبكيت ورحت في سهوه حين أتت النسوة تسللا ًإلى الغرفة وانطلقت الزغادير.
في الصباح جاء الرجال يتساءلون: ماذا جرى إذا لم تستطعن فعل شيء فسنقوم نحن بعمل اللازم ولو أدى ذلك لموت كل الفتيات، المهم شرف العائلة.
كبيرات العائلة كن أحرص على هذا الشرف وأجبن في الحال: كل شيء تمام ماتت ( نضال). فصلى عليها رجال القرية جميعًا وحمل نعشها في جنازة مهيبة، وحزنت النساء على موت صبية من القرية، وكان الله بالسر عليم.
صمتت جارتنا فظننت بأنها قد ماتت، لكنها عادت إليّ بنظراتها وقالت:
من يومها وأنا أحمل ذنب نضال وصورتها لا تفارقني، وأخاف أن ألقى الله فيكون ذنبي القتل وعقوبتي النار.
قلت: هوّني عليك، لم تفعلي ذنبًا، ربما هكذا بدت الأمور في حينها، والله غفور رحيم وأنت امرأة حاجة ومؤمنة.
ابتسمت ورفعت شاهدها ورددت: أشهد أن لا إله ألا الله وأن محمد رسول الله، ثم بكت حتى فاضت روحها.
وفي نهاية الحفل قدّمت سناء بدوي وآمال غزال وعائدة أبو فرحة درعَ شُكرٍ مقدّمًا باسمهنّ لبلدية الناصرة لدعوتهنّ للمشاركة في أمسية آذار الشعر والمرأة، مزيّنا الدرع بمقولة:
"معًا نزرع زيتون هذه الأرض ونضيء سماءَها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق