الثلاثاء، 15 مايو 2012

هل هكذا تكون نصرة أهل الشام؟! رشاد أبوشاور

هل هكذا تكون نصرة أهل الشام؟!
رشاد أبوشاور



ليس حادثا عابرا ما جرى يوم الخميس الماضي في منطقة القزاز، حتى يتم تجاوزه ونسيانه بعد أيّام قليلة، فالدم ما زال على الإسفلت، واللحم السوري_ الشامي.. ما زال على الحجارة، وأغصان الأشجار، وفي السيارات المحترقة المدمرة التي ما زالت تتصاعد منها رائحة اللحم المحروق..نصرة لأهل الشام!
العبث بحياة السوريين، في دمشق وأخواتها يبلغ حد الاستهتار، والاستهانة، والمقامرة، واللامعقول، وهو إن لم يوقف سيأخذ سورية البلد والشعب إلى هاوية سوداء فاغرة ستبتلع ليس سورية وحدها، بل ستبتلع معها في (الثقب) الأسود بلادا عربية تحيط بها، وحتى البعيدة عنها جغرافيا، فسورية ليست ليبيا، وهي بمأساوية سوء المآل ستكون أشد فداحة على الأمة كلها من العراق، إن لم يوضع حد لهذا الصراع الرهيب، وتخرج سورية الوطن والشعب مما يدبر لها، وما ينتظرها..وينتظر حاضر ومستقبل العرب أجمعين.
المشهد الرهيب للدمار الشامل، وللحم المحترق..والمتناثر، والسيارات المتفحمة وفي جوفها سائقوها، ومن كانوا في سبيلهم للتوجه إلى أعمالهم، فحصدهم موت دون أن يعرفوا لماذا، ومن حكم عليهم به، وما ذنبهم في أنهم مواطنون بسطاء يسعون إلى رزق أسرهم، ويكدون لرغيف الخبز بشرف.. لا يجب أن يمّر دون إدانته، ووصم من اقترفوا هكذا جريمة بشعة، وفضح قبح تفكيرهم وخطابهم.
في ذلك المكان الذي تتقاطع فيه الطرق إلى الجهات: المطار، باب شرقي، السيدة زينب، مخيم اليرموك، ساحة العباسيين، أوتستراد المزة، باب مصلّى، مخيم جرمانا، دمشق بأحيائها العريقة العتيقة ..والجديدة، نفذ حكم الموت حرقا بمئات السوريين، والفلسطينيين، ومنهم عديل الروائي الكبير حسن حميد، الذي ترك خلفه ستة أبناء وبنات لا معيل لهم! وهو ليس الفلسطيني الوحيد الذي سقط قتيلاً، أو جريحا..ربما نصرة لأهل فلسطين!
رأيت في المشهد الذي نقلته الكاميرا مواطنا سوريا يحمل غصنا أخضر وعليه مزقة من لحم، وكان يردد ذاهلاً: هذا لحمنا السوري..هذا لحم السوريين..أترون؟!
لحم من ذاك؟ أهو لحم شاب كان يسعى مبكرا لعمله..لرزق عياله؟ أهو لحم طالب مجد كان في عجلة للحاق بحافلة ليصل مدرسته مبكرا؟!
أهو لحم سيدة كانت في طريقها إلى سوق الهال في الزبلطاني بحثا عن شيء تحضره لأسرتها؟!
إنه لحم سوري..شآمي..مختلط بلحم عربي فلسطيني، عراقي..( أذكّر بأن عدد العراقيين في سورية يفوق المليون: يدرسون، ويعملون، ويعيشون بكل احترام في أوساط الشعب السوري، وتتحمل سورية الدولة نفقات تعليم أبنائهم، وعلاجهم..وبترحيب من الشعب العربي السوري الأصيل).
قبل أن تبرد النار التي التهمت الأجساد، وحرقت المكان، وتصاعد منها الدخان ليحجب السماء..بـ 1000 كغم ت ن ت..لماذا؟ جاء الجواب على التساؤل، بحسب بيان( النصرة لأهل الشام): عقابا لأجهزة الأمن التي تقهر الشعب السوري!
إنه اللامعقول، فقتل المواطنين السوريين يتم ثأرا من أجهزة الأمن التي تقمعهم..أترون المنطق، والعدل؟!
لا النظام يسقط بهكذا أعمال، ولا أجهزة الأمن تغيّر، أو تتغيّر..ولكنهم المواطنون البسطاء..الفقراء..التعساء..هم من يُقتلون، ويُجرحون، وتشوه أجسادهم، وتدمر حياتهم!
حتى والتفجير المروّع يستهدف مبنى أمنيا، فإن كل ذي عقل يعرف بأن قادة الأجهزة لن تنال منهم التفجيرات، لأن البوابات محصنة، والحراسات تتكون من أفراد عاديين مساكين يطالهم الاستهداف، ومن يخططون وينفذون لا بد يعرفون أن مباني الأجهزة ليست هشة، وأن قادتها لا يديرون أعمالهم عند بواباتها، وأمام عيون المارة، وفي متناول من يستهدفهم!
بحجة النيل من أجهزة الأمــــن يتم التضحـــية بمــــئات المواطنين الأبرياء الذين يسقطون قتلى وجرحى، الذين قادهم سوء حظهم إلى المرور، والتواجد..في المكان المستهدف، في نفس وقت الانفجار!
الهدف ليس أجهزة الأمن، ولكنه المواطن السوري، وسورية البلد، وسورية الدولة..وليس نظام الحكم، لأن نظام الحكم سيتغير آجلاً أو عاجلاً، أمّا سورية البلد فهي الثابت الذي إن تشظّى فإنه لن تقوم له قائمة في المدى المنظور!
بدلاً من أن تدين جهات المعارضة هذا العمل الجهنمي، بادر بعض الناطقين باسمها باتهام أجهزة النظام، رغم أن وزير الدفاع الأمريكي بانيتا صرّح بأن بصمات القاعدة واضحة في العملية..أتراهم يعرفون أكثر من البنتاغون ووزيره؟!
إذا لم تتميز المعارضة، أي معارضة، عن نظام الحكم، أي نظام حكم تعارضه..بالأخلاق، والمصداقية، فماذا سينتظر منها الشعب الذي تعارض باسمه؟!
التدخل في الشأن السوري لم يعد تخمينا، فالبواخر التي قبضت عليها البحرية اللبنانية، بما تحويه من أسلحة وذخائر، تبرهن على أن هناك جهات عديدة تضخ السلاح إلى سورية لتأجيج النيران فيها، وتحويلها إلى حريق يصعب إطفاؤه. (انتبهوا لما يحدث في طرابلس ..لبنان!)
السفينتان: لطف الله 1 ولطف الله 2..يا لطيف !..وما خفي من سفن غيرهما لم يقبض عليها، تنقلت آمنة مطمئنة في البحر المتوسط المزدحم بالبوارج الأمريكية، وسفن البحرية الصهيونية، وسفن المراقبة التابعة لليونيفيل..وكميات السلاح المسربة من الحدود التركية، واللبنانية..والوافدون للجهاد من ليبيا المخرّبة حيث الاقتتال والموت اليومي، وباكستان، والعراق، وأفغانستان..لم تعد تحتاج للبرهان على ما يدبر لسورية البلد والشعب والكيان!
كل هذا لا يستهدف تحقيق الديمقراطية للشعب السوري، والعبر ماثلة للعيان: العراق، وليبيا..ومنهما تهب رياح الثورة المضادة..خدمة لمن؟!
في حلب، وفي حي الشعار، بعد يوم واحد من مأساة القزاز قبض على سيارة مفخخة بـ1200 ت ن ت..لو تفجرت تلك الشحنة الرهيبة..كم كانت ستحصد من أرواح الحلبيين..نصرة لحلب وأهلها الأباة؟!
كل هذه الجرائم تستهدف المواطن السوري..تستهدف روحه، وعقله، بحيث يقع فريسة الخوف، والانكفاء على النفس، وافتقاد القدرة على المبادرة..والعجز عن التصدي والمواجهة، وإغلاق الباب على نفسه وأسرته، ورفع شعار: ما لي دخل بشي..المهم سلامتي أنا وأسرتي!
لكن هذه السلبية لا تتجلى في ردود أفعال المواطنين السوريين، الذين تبرز مواطنتهم، وكبرياء انتمائهم للشام، وحلب..وأخواتهما..تحديا، وتشبثا بسورية، وعروبتها، ورفضا لما يدبر، ويحاك.
سورية تحتاج لأبنائها الذين يمضون بها إلى المستقبل: قوية، موحدة، المواطن فيها يتمتع بالكرامة، والمساواة في المواطنة، والحق في العيش الكريم..وهذا لا يكون بالقتل، والتفجيرات والاغتيالات، والاختطافات، والتكفير..واستباحة دماء المواطنين انطلاقا من الطائفية البغيضة.
سورية تنتظر من يضيئون لها عتمة النفق المظلم، لا من يفجرون السيارات الملغومة بأطنان ال ت ن ت. سورية تنتظر من يقدمون لها برنامجا للخلاص والإنقاذ ينهي استشراء هذا الموت الذي لن يقود إلاّ إلى مزيد من الموت والدمار والخراب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق